كثير منا من يقتل طموحه الذاتي بذاته، ويوقف الإنجاز عن نفسه بنفسه؛ كل ذلك بسبب خوفه من النقد.. بعضنا لم يفكر يوماً في المغامرة في أمور العمل، ودائماً ما يؤجل، بل ويرفض تحقيق أهداف مشروعة، بل وسامية بسبب فكرة الواجب العائلي، وبسبب الاحترام للمشاعر، وغير ذلك من المحبطات والمثبطات للإنجاز مثل عبارات: "الموضوع كبير"، أو "الوقت لا يكفي"، أو "قدراتي بسيطة" أو "سخريتهم ستنالني"، أو "الصمت حكمة"، أو "قد يغضب ويتركني" وغير ذلك مما قد يسبب تخليه عن آماله، وتركه لمشاريعه.
من أبرز الآثار للخوف من النقد من الآخرين ترسيخ عقدة النقص، والسير الأعمى في ركاب الجماعة، والإذعان لآراء الآخرين، وعدم معارضتهم، خوفاً من الصراع والنقاش؛ مع أن الواقع يبين أن هناك نسبة من المغامرة يجب أن نتحملها في حال إذا ما رغبنا في إنجاز مشاريعنا الحياتية، لأن إلغاء المغامرة يعني إلغاء المشروع، والناجحون دائماً ما يؤكدون على أن حالات الفشل التي نتجت عن إلغاء المحاولة خوفاً من المغامرة هي أكثر من حالات الفشل من المغامرة؛ فالأولى فشل أكيد، والثانية إمكانية النجاح فيها واردة.
الناجح هو ذلك الشخص الذي يتحمل المخاطر، ويتعلم من الفشل، ويعمل دون أن يقرض أو يتنازل بحواسه لغيره، وأذنيه بالدرجة الأولى.. يحكى أنه جرى في يوم سالف تنظيم سباق لتسلق الجبال، وأثناء جريان السباق حدث أن انهار جزء من الجبل، وبدأ الناس يقولون لا يمكن لأحد أن يصل إلى القمة، وأن هذا خطر، ومستحيل لأحد أن يتجاوز هذه المسافة، وصرخوا وعلت أصواتهم وهم يطالبون المتسابقين بالتوقف وعدم الاستمرار، وبالفعل تراجع المتسابقون الواحد تلو الآخر، إلا أن شخصاً واحداً أكمل السباق حتى وصل إلى قمة الجبل، وبعد الفراغ اجتمع الكل حوله يحيونه على تلك الشجاعة النادرة، وعندما سألوه وهو يتسلم الجائزة كيف تمكن من أن يكمل السباق، وهو متجاهل كل تلك الأصوات التي صرخت وهي تطالبه بضرورة التوقف عن الجري؟ تبين أنه أصم لا يسمع.
الخبراء في علم النفس يقولون إن 99% من مخاوف الناس أمور وهمية، ولا توجد إلا في مخيلاتهم فقط، وليس لها أي أساس من الصحة!.. الأفكار عند أصحاب العزم القوي، أو من يريد أن يكون كذلك في بداياتها جامدة، وما يجعلها تحيا وتستمر هو رعايتها بالتخطيط، ومن ثم الشروع في التنفيذ الفوري دون أي خوف، أو أدنى تردد.. الأفكار المخطط لها بإحكام تحتاج -فيما تحتاج- فماً مغلقاً، وأذنين صاغيتين، وعينين مفتوحتين، وسرعة، وحزماً، وعزماً.
دينياً -وأختم بهذا- هناك مخاوف من نقد نصوص العلماء، مع أنها نقولات غير مقدسة، وآراء قد ناسبت حقبة ما، في مكان ما، والحكم عليها بأنها من اليقين الذي لا يقبل التشكيك، وأنها الحق الذي لا يجوز الخروج عليه فيه خطأ كبير، فالظروف اليوم قد تجددت وتغيرت، والمعارف كما نشاهد قد تطورت، والاعتقاد المطلق بيقينية الموروثات حوَّلها وسيحولها إلى عقائد يقينية لا يجوز الاقتراب منها، مع أنها في حقيقتها نظريات قابلة للإقرار أو التعديل أو التبديل، وستكون النتيجة صلاحيات دائمة، وهيمنة مستمرة، وعقلاً جمعياً معطلاً، ورحم الله الإمام مالك القائل: "كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر -صلى الله عليه وسلم-".