شعر محمد إقبال صباح يضيء العتمة الكأداء، وفيض يعانق تهجد الأرواح، تصعد حروفه كالكواكب، وتتشمس قصائده كمرايا الماء، حين حرك نهار كلماته على شرفة الشعر، أصغى الكون، وأبواب التاريخ، وزرقة البحار، وقباب الفجر لذلك الفتح الشعري، واللغة المشعة المؤمنة.
قالوا عنه: فيلسوف الإسلام. وشاعره الذائع الصيت في مشارق الأرض ومغاربها.
قبل أن توافيه المنية بدقائق عشر.
أنشد بيته المشهور: (نغمات مضين لي هل تعود... أنسيم من الحجاز يعود؟).
أبرز من عرّب شعر إقبال الأستاذ الصاوي شعلان مظهراً ما في شعره من حيوية إيمانية، وقبسات روحيه، وصرخات مدوية، تستحث المسلمين للعودة إلى سابق مجدهم، وعظمة سلطانهم: (أمسيت في الماضي أعيش كأنما... قطع الزمان طريق أمسي عن غدي).
يقول الدكتور محمد الأعظمي شارحاً قصيدتين تعدان في طليعة ما نظم إقبال في اللغة الأردية: لقد حارت فلسفة اليونان، وتشريع الرومان، وضلت حكمة الصين، فجاء الإسلام ليقتلع من الأرض شجرة الإلحاد، وليغمر نور التوحيد بقاع الكون:
قد كانت الأيام قبل وجودنا
ليلاً لظالمها وللمظلوم
لما أطل محمد زكت الربى
واخضر في البستان كل هشيم
كنا ندور بكأس الإيمان في محفل الكون، فحررنا المستعبدين. وملأنا بأرواحنا بيت الله المعمور، وجعلنا لآياته مصحفاً في الصدور:
عبدوا تماثيل الصخور وقدسوا
من دونك الأحجار والأشجارا
عبدوا الكواكب والنجوم جهالة
لم يبلغوا من هديها أنوارا
هل أعلن التوحيد داع قبلنا
وهدى الشعوب إليك والأنظارا
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي
صنع الوجود وقدر الأقدارا
لن أصغي إلى أنات قلبي المحزون، فما غاب من الدنيا سحر ليلى ولا غرام قيس، وما برحت صحراء نجد مرتعاً للمها والغزال، ولن يزول جمالها حتى تزول الجبال
ما زال قيس والغرام كعهده
وربوع ليلى في ربيع جمالها
وهضاب نجد في مراعيها المها
وظباؤها الخفرات ملء جبالها
والعشق فياض وأمة أحمد
يتحفز التاريخ لاستقبالها
لو حاولت فوق السماء مكانة
رفت على شمس الضحى بهلالها
يا رب أهد القلوب إلى قبلة (الحجاز) وأعطها جناحاً من الإيمان لتعرف قوة الطيران:
أشواقنا نحو الحجاز تطلعت
كحنين مغترب إلى الأوطان
إن الطيور وإن قصصت جناحها
تسمو بفطرتها إلى الطيران
وما تزال الآذان العربية والإسلامية تستدعي ذلك النداء الحار لمحمد إقبال، والبوح الشفيف الغارق في التجليات:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان
ولا دنيا لمن يحيي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين
فقد جعل الفناء لها قرينا