في مواجهة التحولات الكبرى والقرارات الخطيرة، على المرء أن يعود نفسه على البدائل ومعها صلاة الاستخارة؛ بمعنى أن يكون للإنسان دوما خيارات متعددة، لمواجهة الحالات الطارئة؛ فهذه هي طبيعة الحياة؟ فيقول لنفسه ماذا لو لم تتحقق الفكرة؟ وقصر الهدف وفشل المشروع؟
وأذكر جيدا من صديق روى لي أنه كان يعمل في مصنع للدهانات، وهناك نسب معينة لإخراج الألوان، وفشلت الطبخة بخطأ بسيط؛ فجاء مدير المصنع وقعد على المشكلة فأخرج دهانات جديدة بألوان مبتكرة فاقت المتوقع وزادت عن المخطط لما كان مخططا له سابقا.
وفي فيلم الفأر الطباخ من إنتاج عالم والت ديزني تأتي هذه الفكرة عن طبخة فسدت؛ فجاء الفأر الذكي فعدل بها وزاد ونقص؛ فخرجت روعة في المذاق، طلبها كل زبائن مطعم جوستو في باريس.
وهذه الفكرة موجودة في كل العلوم وكل الثقافات، ومثلا من القرآن وهو يروي قصة الإفك وهو حدث مدمر، فيقول القرآن عنه لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم. إنها فلسفة عملاقة مغيرة أليس كذلك؟ فهذا القلب من الشر إلى الخير عالم متحول كامل مريح للأعصاب وواقعي للغاية تثبته الأيام وحنكة السنون، ولذا يجب ألا يتحسر الإنسان على شيء قط، بل يقول هي مقادير قذفت بها يد الزمن من رب لطيف ويردد عسى خيرا. وفي الحديث أن كل أمر المؤمن له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له؛ فهذه هي فلسفة الإيمان والكفر؛ الكفر والطفر والفقر والتشاؤم والكآبة والجريمة كلها مترادفات من نفس حفرة الحزن وجحر الشيطان. ويقابلها الإيمان والأمل وانشراح الصدر والسعادة واستقبال الأمور مهما هالت وعظمت. إنها أقدار فيها دوما خير.. الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا..
ومما يروى عن أديسون أنه حين سئل عن المصباح الكهربي أنه قام بخمسة آلاف تجربة فاشلة قبل أن يضيء العالم! صحح لهم التساؤل وقال انتبهوا لا تقولوا خمسة آلاف تجربة خاطئة؟ بل هي بكلمة أدق خمسة آلاف طريقة جديدة لم تنجح، ويمكن أن تفيد في أمور كثيرة.
وفعلا، فالعديد من الأخطاء الجانبية للأدوية والصناعات والجغرافيا كانت أفضل بكثير مما خطط له وشرع وبرمج، مثل صحون التيفال وحبوب الفياجرا وكشف باناما وصناعة الصواريخ والدفاع الفضائي وشارع المعلومات..
وفي الفلسفة الرواقية يبرز لنا رجل هادئ يذكر بلقمان الحكيم هو الفيلسوف العبد (ابكتيتوس) وهو يقول كل ما في العالم خير بما فيه الفقر والعوز والمرض والموت! هاتوا لي عصا هرمز (كناية عن إله الحظ والمغامرات والرحلات في الثقافة اليونانية) وأنا أحول لكم كل شيء إلى خير!! خذوا الموت والحياة مثلا؟ إنها مائدة عامرة من رب حكيم عليم دعانا للإفطار على هذه المائدة، حتى إذا انتهت شكرنا وانصرفنا أليس كذلك؟
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار..
وخلاصة القول أننا يجب أن ندرب أنفسنا ومن حولنا على العثور على الخيارات دوما؛ فإذا تعطلت أو تعضلت، يجب أن تكون الخطة البديلة جاهزة، وأكثر من بديل. والفكرة حاضرة، والتحول لها ممكن، فهذه هي سنة الحياة. إنها تتملص من الآلية والميكانيكة والسببية الضيقة، بل هي مرنة متقلبة وأحيانا جدا غدارة..
وحين أتأمل نفسي وقد شارفت على الخمسة والستين عاما أكاد لا أصدق وأنا أتأمل مشاريعي فأقول سبحان الباقي فقد بنيت لي فيلا رائعة في امتداد سلسلة جبال لبنان الشرقية للتقاعد فما قعدت، ثم فكرت في الاستقرار في كندا فاشتريت لنفسي بيتا جميلا من جديد، فهربت من البرد والبعد والغلاء، وبذلك لم أذهب للجولان ولم أذهب لمونتريال في كندا الباردة بل كان بديلي حر الرياض فأنا به راض وسعيد..
وأفكر في شاطئ الأطلسي أحيانا عند المدينة الجديدة في المغرب للاستقرار، ولكن هل سأستقر حقا، أم سيهدأ جسدي في جدث ولحد يضمني وحجارة وحجرة باردة تلفني؟
إن فكرة البدائل جميلة مريحة وواقعية جدا؛ فننجو من المفاجآت والصدمات والمزعجات الحالكات أليس كذلك؟