القرار الذي صدر في الأيام القليلة الماضية عن توجيهات عُليا بسداد كافة الالتزامات المالية الخاصة بالاتحاد السعودي لكرة القدم، يطرح أكثر من سؤال ويثير أكثر من تساؤل! فالقرار يمثل مبادرة عليا لمعالجة مشكلة تتعلق بأداء جهة معينة تخضع بشكل أو بآخر لأنظمة الدولة، وسيؤدي بالتأكيد إلى حل قضية المديونيات التي دفعت ثمنها الأندية، ويسهم في تحريك عجلة الرياضة السعودية التي تعاني في السنوات الأخيرة من مشاكل إدارية وفنية كثيرة، لكن هذا القرار في المقابل قدّم الحل الموقت ولم يعالج المشكلة، بمعنى أن المشكلة الحالية ستنتهي لكنها مرشحة للظهور مرة أخرى، وربما بشكل أعمق وأقوى من الوضع الحالي.
الأسئلة التي ينبغي طرحها في هذا المقام هي: لماذا ظهرت هذه المشكلة؟ ومن المتسبب فيها؟ ومن الذي يقف وراءها؟ وكيف نشأت هذه المديونيات؟ بمعنى هل هذه "المبالغ" المستحقة على اتحاد كرة القدم ناشئة بسبب أعمال وإنجازات حققها هذا الاتحاد وفي مقابلها لحقته مديونية، أم إنها أموال استلمها الاتحاد وكان عليه صرفها في أوجه معينة، لكنه خالف النظام وأنفقها في وجوه أخرى، أم إنها تعود إلى عدم قدرة الاتحاد على إدارة الأموال والاستثمارات المتاحة أمامه؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة هي التي يمكن أن تقودنا إلى المعالجة الحقيقية الدائمة لهذا النوع من المشاكل والمعضلات، فالفساد الإداري والمالي اللذان تحاربهما الدولة وخصصت لهما هيئة حكومية مستقلة، ربما وجد له منفذا في هذا الموضوع، وقد يقتضي الحال فتح ملفات اتحاد كرة القدم، وربما فتح كامل ملفات الرياضة السعودية، التي تراجعت خلال السنوات الأخيرة بشكل حاد ومربك.
إن تدخل القيادة العليا يمثل مُبادرة جيدة، لكنه أيضا ينبغي ألا يمنع الجهات المعنية من السعي إلى تلمس الأسباب الحقيقية وراء هذه المشكلة، ومحاولة كشف المستور حول هذا الموضوع، فظهور مشكلة بهذا الحجم تدفع القيادة العليا للتدخل يؤكد أن المشكلة كبيرة وعميقة، وبالتالي فإن حلها بهذا الشكل وتجاوزها يعني بقاء الأوضاع على حالها، فاتحاد كرة القدم قطاع عام، ويحمل على عاتقه مهام ومسؤوليات تطوير الكرة السعودية، وهو أيضا جهة تمتلك مفاتيح استثمارية متعددة، يمكن من خلالها ـ ليس سداد الديون فحسب ـ وإنما تحقيق "وفورات" مالية تسمح بارتياد آفاق عملية جديدة.
إن التساؤل عن الطريقة التي تدار بها الأوجه الاستثمارية لاتحاد كرة القدم يمكن أن يقودنا إلى معرفة الخلل ومكمن المشكلة؛ فالتقييم الموضوعي لأعمال الاتحاد خلال الفترة الماضية، وكيفية إدارته للجوانب الاستثمارية المتاحة أمامه، وطريقة إنفاقه لميزانيته ستسمح بمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه المديونيات، وستساعد في معالجتها وتلافيها مستقبلا.
إن الاختيار غير الموفق للقائمين على ملف الاستثمار في الاتحاد السعودي من جهة، وغياب الرقابة الفاعلة من جهة أخرى، هما اللذان يقفان وراء تراكم المديونيات على هذا الاتحاد، فالاستثمار في الرياضة صناعة اقتصادية مستقلة، وليس من المبالغة القول، إنها أصبحت فرعا مستقلا له أصوله ومحدداته، وهو ما يحتاج إلى أفراد متخصصين في هذا الجانب، يملكون القدرة على إدارة هذا الملف المربح، كما أن غياب الرقابة والمساءلة، يفتحان الباب على مصراعيه لأوجه مختلفة من الفساد المالي المحتمي بالأنظمة البيروقراطية، وهو ما يجعل المطالبة بأن تتجه أعمال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى جذور المشاكل، وتعمل على تغيير الأنظمة والتشريعات الإدارية والمالية التي أصبحت بوابة نظامية لتجاوزات إدارية ومالية يدفع ثمنها الوطن والمواطن.