(مات عبدالله جفري) كان ذلك هو العنوان الأبرز لصحف الأول من شوال1429 الموافق الأول من أكتوبر 2008. يوم عيد، أول صباحاته المتجهمة كان النبأ الذي طارت به وسائل الإعلام كما لو أن هذه المصادفة لها دلالتها، التي أضافت إلى رومانسية الحياة التي اشتهر بها رومانسية الموت.

أمس حلت الذكرى الخامسة للرجل الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الصحافة السعودية، باستمراره كاتبا لعمود يومي على مدى أربعة عقود، دون توقف، وفي أكثر من صحيفة، عمل بها محررا أو مسؤولا عن التحرير، ليبني ذاكرة وجدانية عامة، لكنه كان في مكان ما ينسج حكايته التي امتدت ما يقارب السبعين عاماً، بدءًا من مكة حيث التقى هناك أستاذه ومعلمه محمد حسين زيدان، ومنها انتقل إلى جدة بحثاً عن أفق جديد لثقافته المنفتحة على الجديد، حين شكل هو ورفاقه في تلك المرحلة (عبدالله نور، مشعل السديري، عبدالله الماجد) ملمحا ضاجا بالحداثة في عوالم الكتابة في السعودية. يقول ابنه وجدي عبدالله جفري لـ "الوطن": والدي جاء للإقامة في جدة بناء على رغبة أستاذه الزيدان، وبدأ حياته الأدبية انطلاقاً من جريدة البلاد.

مرور الذكرى الخامسة على رحيل الجفري تعيد فتح ملفات الموتى من المبدعين، الذين يثار وقت رحيلهم كلام كثير وتطلق وعود، سرعان ما تخفت حتى تختفي بعد ذلك، وينسى الكل!

فالجفري ترك عند موته -رحمه الله- 20 مخطوطاً بين رواية وقصة ونثر، بحسب ابنه وجدي، وذكر كثيرون تلك الأيام أنهم سيبادرون لنشرها، ومضت الآن خمس سنوات، ولم يحدث شيء.

أيضا المخرجة الشابة رولا غازي عبد المجيد عرضت على أسرته إنتاج فيلم وثائقي عن حياته، ولكن يبدو أن البحث عن مصادر تمويل لتحقيق هذا الهدف لم تتوفر.

بعض آخر اقترح إطلاق اسم عبدالله الجفري على أحد الشوارع في جدة، ويومها قالت أسرة الراحل : إذا كانوا سيختارون شارعاً فرعياً مثلما فعلوا مع محمد حسين زيدان لا حاجة لنا بذلك.

" لا أعرف مهنة غير الكتابة "، تلك كانت عبارته الدائمة كما يقول نجله، كان يكتب في عدد كبير من المطبوعات المحلية والخليجية والعربية، ولا بد أن هذا انعكس على وضعه المادي، حيث كان نادراً ما تقرأ مجلة عربية أو خليجية إلا وتجد اسم عبدالله الجفري فيها، لكن ابنه يضحك من هذه المقولة، ويقول نعم هناك من يعتقد أن والدي وفر الملايين من كتاباته، لكني أقول لك الحقيقة التي لا يعرفها أحد وهي أنه بالكاد كان دخله يكفي لمعيشتنا، فقد كان يتقاضى في سنواته الأخيرة مكافأة على زاويته اليومية في عكاظ مبلغ 22 ألف ريال، وهذا هو كل دخله طوال سنوات عديدة، إضافة إلى أنه رحمه الله كان مسرفاً، ويؤمن بمقولة (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) ولولا حكمة والدتي وتدبيرها لما أمكننا حتى بناء منزل، وفي الحقيقة أن والدي لم يكن يتقاضى عن كتاباته في الصحف والمجلات العربية أية أجور.

كان الجفري يستهل يومه في الثامنة صباحاً بقراءة الصحف السعودية، ثم يبدأ الكتابة عادة عند الظهر، ويستمر حتى العصر، حيث يتناول الغداء والاستراحة ربما لمدة نصف ساعة، وغالباً ـ حسب ما يقول نجله وجدي ـ ما يذهب لشراء الصحف والمجلات العربية التي لا تصله، ويعود بعد قراءتها للكتابة إلى ما بعد المغرب، ثم يتفرغ لقراءة الرسائل والرد عليها، وكنت بمثابة سكرتير شخصي له، فهو لا يتعامل مع الكمبيوتر، كنت أفتح بريده، وأطبع له الرسائل التي تحتاج إلى رد، فيكتب عليها بخط يده. وكان لديه دائرة واسعة من الأصدقاء، فهو إضافة لكونه كاتباً مشهوراً، كان أيضا شخصية ودودة ومحبوبة، لكن لابد من أن هناك دائرة أضيق من الأصدقاء أو المقربين، محمد إسماعيل جوهرجي، الدكتور فؤاد عزب، نجيب يماني، طلال محمدي، هؤلاء كانوا مجموعة الأصدقاء المقربين الذين لا ينقطعون عنه، وهناك أصدقاء يزورونه باستمرار حين تتوفر لهم الفرصة مثل وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة الذي كان يزوره كلما حضر إلى جدة. أما على المستوى العربي يضيف وجدي: كان والدي من محبي سمير سرحان وفاروق جويدة، والبردوني وسليمان العيسى وعبدالعزيز مقالح وطبعاً نزار قباني الذي ألف فيه كتاباً.

نال الجفري في حياته شيئا من التكريم، فقد كرمه الأمير خالد الفيصل في مهرجان أبها حيث منح جائزة المفتاحة، وكرمه المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين ونال جائزة تقديرية وشهادة من جمعية لسان العرب، وجائزة وشهادة تقدير من جريدة الرياض، وحاز جائزة علي ومصطفى أمين، وجائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وهي الجائزة التي ظل يفتخر فيها لكونها أهم الجوائز من خارج المملكة.