أحب "رمضان".. ولكنني أكره أن يتحول من عبادة ترتقي بالإنسان وتقوم سلوكياته وتهذب غرائزه إلى مجرد عادة رتيبة، وإلى طقس سنوي لأكل "السمبوسة" وشرب "السوبيا" و"الفيمتو"؛ والاستنفار الجماعي والانقضاض على محلات بيع الأغذية، والهجوم الساحق الماحق على سفر الطعام الحافلة بما لذ وطاب؛ وكأننا لا نأكل إلا في رمضان!
أحب "رمضان".. ولكنني أكره العبث بالساعة البيولوجية للإنسان ومخالفة سنة الله تعالى في جعل الليل لباسا والنهار معاشا، والدخول في حالة (البيات النهاري) الرمضاني السنوي؛ وإماتة اليوم الرمضاني وفي أحسن الأحوال إدخاله غرفة الإنعاش! أحب "رمضان".. ولكنني أكره أن يتحول إلى شهر لتعطيل مصالح الخلق، وتحويل دوائر العمل إلى أماكن لممارسة التثاؤب الجماعي أو النوم الخاطف؛ حيث تقابلك الوجوه المتجهمة والملامح العابسة، وتسوف الأعمال وتؤجل مصالح للعباد حتى ينتهي الشهر الكريم؛ وكأن عبادة الصيام مسوغ للتكاسل وعدم إنجاز العمل ناهيك عن إتقانه!
أحب "رمضان".. ولكنني أكره أن يصبح شهرا يكرس فيه لثقافة الاستهلاك والشره، بدءا بالأكل وتعدد أصنافه، مرورا بالفرجة والتفرج وشبابيك الفضائيات التي تنشر غثها وغثاءها آناء الليل وأطراف النهار، وصولا للدين نفسه الذي لم يسلم من ثقافة الاستهلاك والمتاجرة به وابتذاله! أحب "رمضان".. ولكنني أكره أن يرتفع ترمومتر جشع التجار فيه وتستغل مشاعر الناس ورغبتهم في الحصول على الأجر، ليصل ثمن الغرفة في فنادق الخمس نجوم أمام الحرمين إلى أسعار فلكية؛ يفتح فيها سعر الغرفة الواحدة المطلة على الحرم- في اليوم الواحد وليس في الأسبوع- عدة بيوت لمدة شهر كامل! وهكذا تفرغ العبادات من مضامنيها وقيمها الجوهرية التي شرعت لأجلها ويكرس التمييز الطبقي في شهر التكافل الاجتماعي! أحب "رمضان".. ولكنني أكره أن تتحول صلاة القيام عند –بعضهم- إلى صورة من صور المظهرية والاستعلاء والتباهي على خلق الله ممن لا يصلونها في الحرم أو في المسجد؛ ومن ثم تبخيس وانتقاص من يؤديها في بيته وبين أهله - أو حتى من لا يؤديها - ثم التجرؤ بالتألي على الله ثم الحكم على الشخص بنقص الدين؛ إن لم يكن تصريحا فتلميحا!
أحب "رمضان".. ولكنني أكره أن تتحول قراءة القرآن الكريم فيه إلى ترديد الببغاوات دون وعي وتكرار آلي؛ وتباهٍ بعدد المصاحف المختومة دون اهتمام بالكيفية وتدبر القرآن واستنطاق معانيه!
أسأل الله تعالى لي ولكم القبول أيها القراء الأعزاء وأن يجعلنا جميعا ممن يحققون عبادة الصيام ويعون دروس رمضان وقيمه الكبرى.