"صوت المرأة عورة"، "تفكير المرأة منقوص"، "أخذت من آدم ضلعا وأعطيت لتخدمه"، "لا تقاضي المرأة ولا تقبل شهادتها"، "يجب على الرجل ألا يمر بين امرأتين أو كلبين أو خنزيرين"، "المرأة المؤمنة يجب عليها إطاعة زوجها وعبادته بوصفه إلها"، "أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب"، "المرأة باب الشيطان، وهي سلاح إبليس للفتنة والإغواء"!

العبارات السابقة التي تتحدث عن المرأة، مأخوذة من عدة مصادر، أحدها من كتاب التلمود في الديانة اليهودية، وكذلك من الكتاب المقدس عند الهندوس، ومن أقوال بعض القساوسة في الديانة المسيحية، وهذه العبارات تكاد تتشابه إلى حد كبير مع بعض الأحكام الفقهية، وكذلك بعض التفسيرات للنصوص الدينية في الإسلام.

ورغم كل الشواهد التي وردت عن احترام الإسلام للمرأة، وعدم تمييزه ضدها، إلا أننا نجد في بعض الموروث الفقهي أحكاما وتفاسير تقول بغير ذلك، تضع المرأة في مكانة دونية وأقل من الرجل، وهي منبثقة في الحقيقة من عقلية المجتمع الذي استمد منه بعض هؤلاء الأئمة والفقهاء فكرهم، ومن ثم تكونت وتشكلت ذهنيتهم وتصورهم عن المرأة، وعلى هذا الأساس، فسرّوا النصوص الدينية، وأصدروا أحكاما فقهية تتناسب مع تصورهم الذهني المسبق عن المرأة، من واقع ثقافتهم ومجتمعهم الذي عاشوا فيه.

فبعض الفقهاء يهتمون كثيرا بظاهر الدين، ولا يهتمون بروح الدين ورسالته الكامنة وراء الألفاظ والعبارات، فهم يعيشون الجمود على ظاهر الآيات القرآنية وروايات الأحاديث، ويعتمدون في استيحائه من هذه النصوص على ما كان يفهمه المسلمون في الماضي، المتأثرون بثقافة مجتمعاتهم في ذاك الوقت، وبالتالي فإن رؤية مثل هؤلاء الفقهاء للمرأة ستكون متأثرة بالثقافة الذكورية السائدة في المجتمع، التي ترى أن المرأة تملك اعتبارا أقل من الرجل، وترى مجموعة من الامتيازات الحقوقية والقانونية للرجل دون المرأة، وعليه تنعكس هذه النظرة في تفسير آيات القرآن والأحاديث.

كما هو معلوم بأن الإسلام دخل في مجتمعات متعددة الثقافات والديانات، وسيادة الرجل متفاوتة من ثقافة إلى أخرى، ومن ديانة إلى أخرى، فكما رأينا آنفا لبعض النصوص في الديانات الأخرى في تصوراتها للمرأة، نجد أيضا في الديانة اليهودية عندما يستيقظ الرجل من منامه في الصباح، فإنه يشكر الله على أنه لم يخلقه امرأة، وفي الديانة الهندوسية، فإن الرجل عندما يموت فإنه يجب إحراق زوجته الحية مع جسده، وفي الديانة البوذية تمثل المرأة تجسيدا للخداع والمكر والخبث!

وعند دخول الإسلام في هذه المجتمعات، ظهر جزء من الموروث الفقهي عن المرأة متأثرا بالثقافة الموجودة في المحيط الاجتماعي، فنجد فكرة سيادة الرجل تظهر بشكل واضح في بعض الأحكام الفقهية وتفسيرات النصوص الدينية.

فقد تم تقديم المرأة من خلال تضخيم بعض النصوص، والتعتيم على بعضها الآخر، وإبراز المرأة على أنها مصدر الفتن ووسيلة الشيطان، وعليها أن تكون في طاعة الرجل وتلبية احتياجاته متى شاء.

وهناك العديد من الأمثلة لبعض التفاسير والأحكام المنبثقة من ذلك المنظور الفقهي، التي تستند على فكرة سيادة الرجل وإقصاء المرأة، التي منها على سبيل المثال ما يلي:

• تناول الفقهاء أحكاما تتعلق بالصلاة، وذكروا منها أن الصلاة لا يقطعها إلا المرأة البالغة والحمار والكلب الأسود، وتركزت الأحكام على هذه الجزئية فقط، مع إهمال أن الصلاة مرتبطة بتركيز الذهن والخشوع، إضافة إلى إهمال الحديث المروي عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ في كتاب البخاري، فقد قالت: "بئسما عدلتمونا بالكلب والحمار، لقد رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة".

• يرى بعض الفقهاء في تفسير قوله تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" النساء34، "الرجال قوامون" مسلطون "على النساء" يؤدبونهن ويأخذون على أيديهن "بما فضل الله بعضهم على بعض" أي بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك، وذهب آخرون إلى القول بأن "قوامون" تعني العمل بما يصلح حاجة المرأة، وقد تتساوى المرأة مع الرجل في القوامة، وفي قوله تعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن"، فقد فسر البعض الضرب بمعناه المتعارف عليه بشكل غير مبرح، والبعض الآخر فسر الضرب بمعنى الابتعاد والترك أو الطلاق، وعلى هذا الأساس، فإن رؤية الشخص المفسر للمرأة تختلف من شخص إلى آخر.

• ورد في البخاري رواية عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قال: "إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار"، وفي رواية أخرجها أبو داوود في مسنده: "قيل لعائشة ـ رضي الله عنها ـ الحديث، فقالت: لم يحفظ أبو هريرة؛ لأنه دخل ورسول الله يقول: "قاتل الله اليهود يقولون: الشؤم في ثلاثة: الدار، والمرأة، والفرس"، فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله".

لاحظنا فيما سبق، كيف كانت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ تفند وتبدي رأيها حول نصوص الأحاديث، وهي قدوة لنساء المسلمين، ورأينا أيضا اختلاف التفاسير حسب نظرة الفقيه للمرأة، لذا من حق النساء الدخول في حقلي الفقه والفلسفة، حتى تكون لهن رؤية وقراءة للدين، فلا ينبغي حصر التفاسير بالرؤية الذكورية، وعلى هذا الأساس، يمكن القول بأن النصوص الدينية يمكن تفسيرها برؤية نسائية، ومن ثم التأثير على رؤية الفقهاء ورجال الدين والمجتمع نحو المرأة، والنساء اليوم قادرات على الدخول في هذا المعترك وتقديم رؤيتهن، فهن أفهم وأعرف من الرجال بمشاكلهن واحتياجاتهن، وبالتالي التأثير على الرؤية السائدة تجاه المرأة، التي سوف تترك آثارها على التجديد الفقهي، وعلى أخلاق المجتمع، وتغير العلاقة بين الرجل والمرأة أيضا.