أُعلن ـ مطلع هذا الأسبوع ـ عن الفائزين بمسابقة منح الابتكار الصحي الوطنية في دورتها الثانية والتي تشرفت وفريقي بتسلم جائزة الفوز بها من سمو أمير منطقة الرياض، الأمير خالد بن بندر، عن تطبيقنا الإلكتروني الخاص بالالتزام بالأدوية في مجال المستشفيات الزكية.

قامت مدينة الملك فهد الطبية بتوسيع دائرة المسابقة لهذا العام لتشمل الجميع بعد أن اقتصرت على منسوبيها العام الماضي. أعلنت المدينة عن المسابقة منتصف العام وما زلت أذكر حينها شعور إحباط المبتعثين، كوني أحدهم، لصعوبة التواجد في المملكة خلال جميع مراحل المسابقة، إلا أن المدينة كانت قد سمحت بالتقدم للمسابقة كأفراد أو فرق مما سهل مهمة تكوين فريق وطني من أطباء في المملكة ومن المبتعثين.

تجربة المشاركة والفوز بهذه المسابقة سلطت الضوء على العديد من الاحتياجات الصحية الوطنية، فالابتكار الذي لا يسد ثغرة خدماتية أو يسهل من حياة المريض والطبيب هو مجرد ابتكار كمالي غالبا ما يخبو مع أول خطوة ميدانية.

صعوبة الوصول للبيانات الصحية الوطنية ومحدداتها الاقتصادية والاجتماعية كانت المهيمنة على عملية المشاركة واستهلكت جزءا ليس باليسير من الوقت المفترض استغلاله في تطوير الابتكار نفسه وتحسينه ليتواءم ويتلاءم مع الفئات المستهدفة محليا وإقليميا.

هذه الصعوبة ألقت بظلالها أيضا على جانب الدراسة المالي للابتكار وجدواه في أسواق المملكة، وضاعفها بالطبع غياب قواعد البيانات المحدثة والتفاعلية عن الشركات المنافسة المحلية والعالمية في المملكة ذات النشاط الصحي. انعدام المعادلة الربحية في مجال اقتصاد الصحة السعودي يعد عائقا كبيرا للاستثمار في الابتكارات الصحية بالمملكة ولعله السبب الرئيس لموتها في مهدها.

ما زالت ضبابية الاحتضان المؤسسي للابتكارات الصحية الوطنية مسيطرة على بيئة الابتكار الصحي السعودي، فالمحك الأهم لأي ابتكار هو إثبات فاعليته وتحسينه "محليا" وهو ما لا يمكن إتمامه إلا بأن توفر المؤسسات الصحية الوطنية قواعد بياناتها للمبتكرين وتحفز الممارسين الصحيين والمرضى وأهاليهم لدعمهم.

اختلفت لغة الابتكار ومفاهيمها خلال مراحل المسابقة، متمثلة بالحوارات بين المتسابقين أنفسهم وبعض القائمين عليها، وكان من السهل لفريقنا تشخيصها، كون أحد أعضائه طبيبا استشاريا مبتعثا وزميلا في المعلوماتية الصحية لدى جامعة كاليفورنيا في سان دييجو والتي تعد قبلة عالمية للابتكارات الصحية. فعلى سبيل المثال، فإن موضوع الملكية الفكرية للابتكارات ما زال شائكا في المملكة، والبيئة القانونية حوله تكاد تكون منعدمة، مما يدفع الكثير لتسجيل ملكياتهم الفكرية خارج المملكة لضمان حقوقهم قانونيا.

لم يغب الدعم خلال مراحل المسابقة وتمت الإجابة على أغلب استفسارات الفريق وهو ما يعد جانبا مهما في هكذا مسابقات. ولكن الدعم الأكبر أتى من أعضاء الفريق الذي كان خليطا من الأطباء بمختلف مراحلهم العملية والعلمية، وكونه تخطى الصورة النمطية للمبتعثين كمواطنين معزولين عن المشاركة بتطوير مجتمعهم خلال فترة الابتعاث.

الدعم الأكبر أتى من حوار أعضاء فريقنا المستنير ما بين الرياض وبوسطن وسان دييجو بصهر خبرات الطب والمعلوماتية الصحية والصحة العامة واقتصاديات الصحة وسياساتها لتنتج ابتكارا وطنيا يهدف لتحسين صحة المواطنين والمقيمين ويعزز من الاقتصاد الصحي السعودي.

المبتعثون بحاجة لمثل هذه المسابقات والمبادرات وتسهيلها لهم؛ إذ إنهم حلقة الوصل بين احتياجات الوطن الصحية العديدة وبين دول تعد المنابر للابتكار والتقنية. هم بحاجة لتطوير مهارة نقل المعرفة وتفعيلها بشكل ديناميكي خلال بعثاتهم بدلا من إحباطهم وتهميشهم لحين عودتهم للمملكة، وكذلك فإن المملكة بحاجة لجني أرباح استثمارها مبكرا في المبتعثين بجعلهم حلقات الوصل الابتكاري، بدلا من هدر المال العام على شركات ومؤسسات استشارية عالمية لطالما سعت إلى بقاء المملكة استهلاكية حتى في الابتكار.