لا أعرف قضية حظيت باهتمام معظم المواطنين في الفترة الأخيرة مثل قضية الإسكان، ورغم ذلك تزداد سوءا بمرور الوقت، فمشكلة الإسكان في المملكة لن تحل من خلال وزارة الإسكان وحدها، وحتى لو أوجدنا عشر وزارات للإسكان فلن يتغير الحال بسرعة كما يطالب البعض، وذلك بسبب وجود عقبات وعراقيل تراكمت خلال العقود الماضية لتشكل شبكة مترابطة من المشكلات تحتاج إلى حلول.. البعض منها خارج سيطرة وزارة الإسكان. ويأتي في مقدمة هذه المشكلات تحول معظم الأراضي التي يفترض أن تكون مخصصة للسكن فقط إلى سلعة تجارية يشتغل بها 90 %من المواطنين بصفتها القناة الاستثمارية الأكثر جاذبية والأسهل والأكثر ربحية، ونتج عن ذلك الصراع على ملكية الأراضي واحتكارها بهدف المتاجرة بها ورفعها إلى أرقام فلكية، وكان بالإمكان منع بيع أي منحة أرض يحصل عليها الشخص من الدولة، لأن الهدف من المنح السكن وليس المتاجرة، وترتب على ذلك صراع ومنافسة شديدة للحصول على منح الأراضي وبمساحات هائلة أكبر من حاجة الفرد بكثير، ونتج عن ذلك منح الأراضي لمن لا يستحقها ولا يحتاجها ليقوم باحتكارها وبيعها بالسعر الذي يريد على من هو في أمس الحاجة إليها، رغم أنها أرض كانت مملوكة للقطاع العام. ونتيجة لذلك أصبح العقار والاستثمار فيه هما القناة الاستثمارية الوحيدة أمام معظم المواطنين بسبب غياب أو عدم تفعيل القنوات الاستثمارية الأخرى وبسبب جاذبيته وسهولة الاستثمار فيه.
الشخص العادي غير المتخصص في مشكلات الإسكان يعرف أن حزمة من القرارات الحازمة والسريعة سوف تؤدي إلى انخفاض سريع في أسعار الأراضي، ومنها التخلي عن نظام الفلل والسماح لمن يملك أرضا بشارع لا يقل عن 15 مترا ببناء ثلاثة أو أربعة أدوار بشرط تخصيص الدور تحت الأرضي مواقف للسيارات. هذا القرار وحده كفيل بكبح جماح أسعار الأراضي، لأنه يعني أن العائلة تكفيها أرض 600 متر فقط بدلا من أن كل شخص في العائلة يحتاج إلى 600 متر وحده. قرار آخر يتمثل في تشجيع قنوات استثمار أخرى وتشجيعها، ويأتي في مقدمتها سوق الأسهم السعودية التي أصبحت خاوية منذ عام 2006 وابتعد المستثمرون عنها بسبب سلسلة من القرارات التي في ظاهرها تحمل حجة التنظيم والشفافية وإضافة عمق اقتصادي للسوق، ولكن في داخلها تؤدي إلى إغراق السوق بطرح الكثير من الشركات العائلية بعلاوة إصدار مبالغ فيها، يتم من خلالها سحب السيولة من أيدي عامة الناس وتكديسها في أيدي عدة أشخاص، وذلك من خلال طرح شركات، البعض منها لا يحمل مقومات اقتصادية ولا استثمارية يمكن الاعتماد عليها كاستثمار، ونتج عن ذلك ابتعاد المستثمرين عن سوق الأسهم وتركها تترنح في الحضيض وبشكل لا يتناسب مع المقومات الاقتصادية للدولة. ومن المعروف أن سوق الأسهم تعد رافدا اقتصاديا أساسيا في الكثير من البلدان ويتم تنظيمها والتشجيع على الاستثمار فيها.
لن تستطيع وزارة الإسكان حل المشكلة وحدها طالما أن البنوك لم تدخل كلاعب أساسي في تقديم برامج التقسيط العقاري طويل الأجل والمنتهي بالتمليك، وعندما تكون المدة طويلة تكون الأقساط مريحة. فالملاحظ أن البنوك السعودية تتعامل مع التقسيط العقاري بطريقة قصيرة المدة وعالية التكلفة من حيث نسبة الفائدة ومبلغ القسط المطلوب شهريا، ولا يختلف بأي شكل عن القروض الشخصية، وهذا لا يساعد فئة الشباب على الاستفادة بسبب ارتفاع الأقساط المطلوبة وضرورة دفع مبلغ مقدم لا يتوفر للشاب في بداية حياته العملية، ويضاف إلى ذلك ضرورة التسديد خلال 10 سنوات بحد أقصى، وهو مخالف لما يحدث في الكثير من البلدان التي تقدم فيها البنوك برامج تقسيط منتهية بالتملك الكامل للعقار بمدة طويلة وبأقساط ميسرة جدا لا تؤثر على متطلبات الحياة الأخرى للشباب. مشكلة البنوك السعودية أنها تفضل طريقة الاستثمار التقليدي، ولا تريد الدخول في برامج العقار طويلة الأجل خوفا من التقلبات الاقتصادية والتغير في أسعار الفائدة، أو تكرار كارثة الرهن العقاري التي تعرضت لها البنوك الأميركية.
كما يلاحظ أن وزارة الإسكان لديها معيار موحد لجميع مدن المملكة، وهذا خطأ يضاف إلى جوانب القصور في التعامل مع المشكلة، فحلول مشكلة السكن في الرياض وجدة تختلف بشكل كامل عنها في المدن الصغيرة التي لا تعاني من ارتفاع أسعار الأراضي ولا يوجد ما يمنع من تعجيل القرض لمن يريد أن يبني مسكنه في مدينة صغيرة، وفي هذا تشجيع على الهجرة المعاكسة وتخفيف الضغط على المدن الكبيرة، أما من يرد أن يسكن في الرياض أو جدة فعليه الانتظار لبعض الوقت.