تواصل "الوطن" نشر الحلقة الثانية والأخيرة من نشاطات الجماعات المسلحة في باكستان وأفغانستان، وتوسع نفوذها داخليا وخارجيا، على الرغم من العمليات العسكرية الواسعة النطاق التي تقوم بها القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان والجيش الباكستاني في منطقة القبائل الباكستانية، حيث الملاذات الآمنة لقيادات الجماعات المسلحة، بما في ذلك فلول القاعدة، وصنفتها الأمم المتحدة بالإرهابية.

"طالبان الباكستانية"

شكل الحركة بيت الله محسود في ديسمبر2007 من خلال دمج 13 منظمة متشددة تحت قيادته، متخذا من وزيرستان الجنوبية قاعدة لها. وأعلن بيت الله محسود ولاءه لحركة طالبان الأفغانية، ولكنه ذكر أن حركته ستلتزم بالاستقلالية في عملياتها العسكرية. حظرت الحكومة الباكستانية نشاطاتها في 25 أغسطس 2008 وجمدت حساباتها المنقولة وغير المنقولة ومنعتها من القيام بأية نشاطات إعلامية. استهدفت وكالة المخابرات المركزية الأميركية( سي أي إيه) بيت الله محسود في عدة هجمات حتى تمكنت من قتله في أغسطس 2009. انتخب حكيم الله محسود رئيسا للحركة في أغسطس 2009 وما زال رئيسا لها حتى يومنا هذا. تحاول طائرات درون قتله انتقاما لقتل 9 أشخاص من الـ( سي أي إيه) ولكنها لم تتمكن من ذلك، بل تمكنت من قتل نائبه ولي الرحمن محسود في 29 مايو 2013 في هجوم شنته طائرة درون على مخبئه في ميران شاه. ذكرت الحركة أن الأهداف من تشكيلها هي محاربة الدولة الباكستانية، لأنها تساند الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب، وتطبيق نظام الشريعة في منطقة القبائل ( فاتا) وبقية أنحاء باكستان، ومحاربة القوات الأميركية والأطلسية المرابطة في أفغانستان. ساهمت الحركة في العمليات القتالية في أفغانستان بالتعاون مع شبكة سراج الدين حقاني وتنظيم القاعدة في وزيرستان الشمالية. وكان من أهم عملياتها الهجوم على قاعدة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية في إقليم خوست في 30 ديسمبر 2009 ، مما أدى إلى مقتل 9 من الوكالة وإصابة 6 آخرين. وكان الغرض من العملية تدمير القاعدة التي كانت توجه طائرات درون في هجماتها على منطقة القبائل الباكستانية. كما كانت القاعدة تشرف على عملية بحث واسعة النطاق ضد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ومنها انطلق عناصر الكوماندوز الأميركيون، وقتلوا بن لادن في مجمعه في أبوت أباد في الثاني من مايو 2011.

من أهم العمليات التي ادعت الحركة أنها شاركت في التخطيط لها العملية الإرهابية الفاشلة في ( تايمز سكوير) في نيويورك أول مايو 2010. اعترف المسؤول عن العملية فيصل شهباز بأنه التقى حكيم الله محسود وتأثر به، كما تأثر بأفكار الأميركي الجنسية من أصل يمني أنور العولقي الذي قتل بطائرة درون أميركية بمحافظة الجوف باليمن في 30 سبتمبر2011. أعلنت الحركة مؤخرا أنها أرسلت مئات المتطوعين لسورية لمساعدة الثوار ضد نظام بشار الأسد. تتعاون الحركة مع القاعدة، وحركة طالبان أفغانستان، وشبكة سراج الدين حقاني، وحركة تنفيذ الشريعة المحمدية بقيادة صوفي محمد. تقوم الحركة بعملياتها في مختلف أنحاء باكستان، ولاسيما في منطقة القبائل ( فاتا) و( سوات) و( بنّو) و( تانك) و( لكي مروت) و( ديره إسماعيل خان) و( كوهستان) و ( بونر) و ( ملاقند) و كراتشي وكويتا.....

أهم قادتها، حكيم الله محسود ونائبه خان سيد (الملقب باسم سجنا محسود)، ومنجل باج أفريدي رئيس الحركة، تحت قيادة رئيس ( لشكر إسلام) في وكالة خيبر القبلية، وأخونزادة أسلم فاروقي رئيس الحركة في أوركزاي، والملا فضل الله رئيس الحركة (ولكن تحت قيادة رئيس تحريك نفاذ الشريعة المحمدية في سوات)، وعبد الولي رئيس الحركة في وكالة مهمند، ومولانا أبو بكر رئيس الحركة في وكالة باجور، ومولوي ملك نور جمال رئيس الحركة في وكالة كورم، وعدنان رشيد المسؤول عن إطلاق سراح أسرى الحركة، ومحمد عارف رئيس الحركة في درة آدم خير وبشاور وكوهات وهنكو.

تتعاون الحركة مع الحركة الإسلامية لأوزبكستان، وتحمي قياداتها في وزيرستان. وتتعاون أيضا مع ( حركة طالبان البنجاب) النشطة في الأقسام الجنوبية من إقليم البنجاب، وتتكون من( لشكر جهنكوي) و(سباه الصحابة) و(جيش محمد).

طالبان الأفغانية

أسس الحركة الملا محمد عمر في 1994 في قندهار، حيث أخذت الحركة تقاتل مختلف الفرق الأفغانية المتصارعة على السلطة في أفغانستان. الأب الروحي للحركة مولانا سميع الحق رئيس جمعية علماء الإسلام، حيث أعد فكريا طالبان في مدرسته الدينية المعروفة في (أكوره ختك) في باكستان. خلال مدة وجيزة تمكنت الحركة من السيطرة على معظم أنحاء أفغانستان بما في ذلك العاصمة كابل وأعلنت في سبتمبر 1996 تأسيس إمارة أفغانستان الإسلامية. ظلت الحركة في السلطة لغاية أكتوبر 2001 ، ولكنها واجهت عزلة دولية بسبب رفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن للولايات المتحدة أو طرده من أفغانستان. فاستغلت واشنطن أحداث 11 سبتمبر2001 لتغزو أفغانستان وتسقط نظام الحكم فيها. انسحبت قوات طالبان من كابول دون قتال بعد أن أدركت أنه لن يكون بوسعها مقاومة قوات الاحتلال الأميركية، وانسحب معظم مقاتليها لإقليم بلوشستان الباكستاني المجاور ومنطقة القبائل الباكستانية، بينما اختلط آخرون في المجتمع المدني الأفغاني بعد أن غيروا هويتهم. وفي الرابع من أكتوبر2001( وقبل 3 أيام من الغزو الأميركي لأفغانستان) وافقت طالبان على تسليم بن لادن للحكومة الباكستانية مشترطة أن تحاكمه محكمة دولية بموجب أحكام الشريعة الإسلامية، لكن إسلام أباد رفضت ذلك، على اعتبار أنه لا يمكنها ضمان سلامة بن لادن في باكستان. خلال فترة وجيزة شكلت الحركة ( شورى كويتا) بقيادة الملا محمد عمر التي أشرفت على إعادة تنظيم صفوف طالبان وبدأت بمقاومة القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان وما زالت حتى يومنا هذا تقاتل القوات الغازية.

في 2009 شكلت طالبان قوة مقاومة سمتها (الفتح)، وقالت إنها تضم القبائل البشتونية والباكستانية وستستمر في مقاومة القوات الأميركية والأطلسية حتى تحرير أفغانستان. خلال الفترة 2001 وحتى يومنا هذا تمكنت طالبان من القيام بعمليات عسكرية وانتحارية ضد القوات الأميركية والأطلسية والأفغانية في كافة الأقاليم الأفغانية، بما في ذلك العاصمة كابول وقصر رئيس الجمهورية حامد قرضاي، وقاعدة بجرام الجوية الأميركية، وقواعد وكالة المخابرات المركزية الأميركية في أفغانستان. أعلنت طالبان مؤخرا أنه لا توجد أية ارتباطات لها مع تنظيم القاعدة، كما أكدت أنها لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية في أية عمليات عسكرية ضد أية دولة أخرى.

بعد مباحثات سرية بين طالبان والولايات المتحدة بوساطة باكستانية أعلنت واشنطن عن استعدادها لعقد مباحثات مع طالبان لضمان التوصل لتسوية سلمية للأزمة الأفغانية. تقوم الخطة الأميركية على أن تتحول طالبان لحزب سياسي وتخوض الانتخابات العامة في أبريل 2014 ضمن نظام التعددية الحزبية. حصلت خلافات مؤخرا بين طالبان والولايات المتحدة أدت إلى إغلاق المكتب السياسي للحركة في الدوحة. وتحاول باكستان إقناع طالبان بالعودة لمائدة المفاوضات. على الرغم من المباحثات الأميركية مع طالبان إلا أن الإدارة الأميركية ما زالت تضع جائزة نقدية لرأس الملا محمد عمر تقدر بـ 5 ملايين دولار. تعهدت باكستان بأنها ستستخدم نفوذها على طالبان لمنع محاربي الحركة من الهجوم على القوات الأميركية والأطلسية خلال انسحابها من أفغانستان المقرر أن ينتهي في نهاية 2014.

شبكة حقاني

أسس الشبكة الزعيم الأفغاني مولوي جلال الدين حقاني عام 1980 ، حيث كان يقود المجاهدين في الحرب ضد قوات الاحتلال السوفيتي، والتي استمرت حتى 1992. وعندما كبر مولوي جلال الدين حقاني في العمر سلم الشبكة لابنه سراج الدين حقاني. أعلنت الشبكة تحالفها مع طالبان خلال الغزو الأميركي لأفغانستان في أكتوبر2001 وحتى يومنا هذا، وتمركزت في مناطق جبلية وعرة في وزيرستان الشمالية الواقعة في منطقة القبائل البـاكستانية (فاتا).

وسعت الشبكة قواتها لداخل أفغانستان، إضافة إلى قاعدتها في وزيرستان الشمالية، واستهدفت القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان. نظرا لتمرس الشبكة في العمليات القتالية منذ عهد الجهاد الأفغاني الأول فقد صنفتها الولايات المتحدة بأنها الأخطر على القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان.

طلبت الإدارة الأميركية مرارا من الجيش الباكستاني فتح جبهة جديدة ضد الشبكة في وزيرستان الشمالية لتصفية قواعد ومحاربي الشبكة، لكن الجيش رفض ذلك على اعتبار أن الشبكة لم تستهدف الجيش والأجهزة الأمنية في عملياتها العسكرية، وأنها نقلت قواعدها من وزيرستان الشمالية لداخل أفغانستان. كما أن الجيش يخشى أن تتوحد القبائل البشتونية المختلفة في شمال وزيرستان مع حركة طالبان باكستان والمتشددين ضد الدولة الباكستانية في حالة فتح جبهة جديدة في وزيرستان الشمالية، بحيث تستنزف القدرات العسكرية الباكستانية. ارتبطت الشبكة بتنظيم القاعدة وساعدت أسامة بن لادن على الهروب من أفغانستان لمنطقة القبائل الباكستانية من خلال جبال ( تورا بورا) قبل أن يبدأ القصف الأميركي لأفغانستان في السابع من أكتوبر 2001. تتهم الشبكة أيضا بأنها وفرت ملاذات آمنة لقيادات القاعدة في منطقة القبائل، لكن الشبكة اختلفت مع القاعدة بمفهومها حول الجهاد، واقتصرت على أن يكون الجهاد مقصورا على تحرير أفغانستان، بينما أصرت القاعدة أن يكون الجهاد عالميا.

ورصدت الإدارة الأميركية جائزة لاعتقال سراج الدين حقاني تقدر بـ 5 ملايين دولار. وحاولت طائرات أميركية بدون طيار(درون) مرارا قتلـه ولكنها لم تنجح. في سبتمبر 2012 صنفت الإدارة الأميركية الشبكة على أنها منظمة إرهابية، لكن باكستان رفضت أن تحذو حذو أميركا، لأنها لم تقم بأية أعمال إرهابية داخل الدولة الباكستانية. أبرز قيادات الشبكة، جلال الدين حقاني وسراج الدين حقاني ونصير الدين حقاني (المسؤول المالي)، وعبد العزيز عباسين وحاجي مالي خان.

تسكن عائلة وقيادات الشبكة في ميران شاه كبرى مدن وزيرستان الشمالية في ثلاثة مجمعات متفرقة. منطقة عمليات الشبكة في الأقاليم الأفغانية( بكتيا) و(بكتيكا) و( خوست) و( وردك) و (لوجار) و ( غزني). تقدر قوات الشبكة القتالية بحوالي 10000-15000 مقاتل في مختلف أنحاء أفغانستان. تستخدم الشبكة في عملياتها العسكرية المهاجمين الانتحاريين، ولاسيما من العرب الأفغان والشيشان والأوزبك.

رفضت الشبكة عرضا أميركيا بأن تسلمها 3 أقاليم أفغانية( بكتيا) و( بكتيكا) و( خوست) إذا وافقت على التخلي عن دعم طالبان، لكن الشبكة رفضت ذلك العرض.

أهم عملياتها العسكرية: الهجوم على فندق سيرينا في كابول في 14 يناير 2008 ، ومحاولة اغتيال الرئيس الأفغاني حامد قرضاي في 27 أبريل 2008 ، والهجوم على معسكر جابمن في 30 ديسمبر 2009 ، والهجوم على كابول في 18 مايو 2010 ، والمساهمة في الهجوم على فندق إنتركونتيننتال في كابول في 28 مايو 2011.