بعد أن أصبحت الرواية أبرز معالم الأدب السعودي في السنوات الأخيرة، تعود للأذهان أبرز الشخصيات التي وضعت اللبنات الأولى للرواية، وهو صاحب رواية "التوأمان"؛ الأديب الراحل عبدالقدوس الأنصاري، الذي غاب عن هذه الدنيا قبل 30 عاما.
واجتمع في الأديب الراحل صفات عدة، منها المربي، والروائي، والشاعر، والصحفي، والناقد، والمؤرخ، والآثاري، واللغوي، وكان بحق علامة مهمة في ثقافتنا ومسيرتنا الفكرية ولم يقف تميزه عند هذا الحد ولكنه كان من أصحاب الأوليات، فهو صاحب أول رواية في تاريخ هذه البلاد، وهو صاحب أول مجلة أدبية في بلادنا، وهي مجلة "المنهل" هذه المجلة التي كانت منذ تأسيسها عام 1355 منبرا للثقافة العربية وراعية لأجيال من المثقفين في الوطن العربي.
ويعتبر الأديب عبدالقدوس الأنصاري الذي ولد في المدينة المنورة عام 1324، أحد أبرز رواد الرواية السعودية وكانت روايته "التوأمان" الصادرة عام 1349 أول عمل روائي يصدر في المملكة العربية السعودية.
تلقى الأنصاري علومه الدينية واللغوية والتربوية على يد شيخه وأستاذه العلامة محمد الطيب الأنصاري في المسجد النبوي الشريف، ثم بدأ الدراسة وعمره لم يتجاوز الخمس سنين، وفيها حفظ القرآن الكريم، وأعقبه بحفظ المتون في علوم التفسير والحديث والفقه واللغة، في عام 1341 افتتحت مدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة، وقد أنشأها السيد أحمد الفيض آبادي لتيسير التعليم الديني والعربي، ثم عين الشيخ محمد الطيب الأنصاري رئيساً لمدرسيها، فالتحق بها الأنصاري، وتخرج فيها في عام 1346.
وعمل الأنصاري في الديوان الملكي وأخذ يترقى في وظائفه حتى عام 1359، حيث نقل بعد ذلك إلى مكة المكرمة، وعمل رئيسا لتحرير صحيفة أم القرى لمدة سنتين وتم ذلك بقرار من الملك عبدالعزيز موجها إلى إمارة المدينة المنورة، واستمر في وظيفته تلك حتى عام 1361، وهي أول صحيفة سعودية. بعد ذلك صدر أمر الأمير فيصل بن عبدالعزيز ـ ولي العهد ـ آنذاك، بنقل الأنصاري ليعمل في ديوانه في جدة، وبقي فيه حتى عام 1386 حيث تفرغ بعد ذلك تفرغا كاملا لمجلته المنهل التي أنشأها في عام 1357 وهي مجلة شهرية تعد اليوم شاهدا على البدايات الأولى لنشأة الصحافة في المملكة، ومصدرا مهما لدراسة الأدب السعودي وتطوره، بما كان ينشر فيها من نصوص شعرية ونثرية ودراسات وأبحاث متنوعة لرواد الأدب والفكر في المملكة، وبما كانت تصدره المجلة من أعداد خاصة بفنون الأدب وتراجم الأدباء. وظل يصدرها باستمرار على رغم كل تلك المشاغل والوظائف والمهام والتنقلات من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة إلى جدة. وقد لقي الفن القصصي اهتماما خاصا من صاحب المجلة حيث نشرت فيها معظم المحاولات الأولى لكتابة القصة القصيرة.
وعرف الأنصاري بقراءاته الواسعة واطلاعه العميق في حقول الأدب واللغة والتاريخ والآثار وله فيها دراسات كثيرة منها: إصلاحات في الكتابة والأدب (1935) وآثار المدينة المنورة (1935) وقد أعيد طبعه للمرة الثانية عام (1973)، وتحقيق أمكنة في الحجاز وتهامة، تاريخ مدينة جدة (1963) والأنصاريات (ديوان شعر) (1964) وبنو سليم (1971) والملك عبدالعزيز في مرآة الشعر (1976) وموسوعة تاريخ جدة (ط 2، 1981) مجلد 1، والتاريخ المفصل للكعبة المشرفة قبل الإسلام (1991) وتوفي الأديب والمؤرخ عبدالقدوس الأنصاري في الثاني والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام 1403.