خلال رمضان ترتفع وتيرة الحنين للتراث، وفي الحجاز يستعيد الشباب والكبار أجواء الماضي وعبقه، من خلال العودة إلى زي شعبي أصيل في اللباس ممثلا في العمة الحجازية، وما يتبعها من حزام الوسط "البقشة" و"المصنف" وهو شال الكتف.. أبناء مكة وجدة الذين التقتهم "الوطن" للحديث عن قصة عمامة أهل الحجاز التي انتشرت في الآونة الآخيرة، أكدوا بأن الطلب على العمة الحجازية يرتفع مع اقتراب العيد، مذكرين بأناشيد حجازية قديمة ترتبط بالعيد والعمة البلدي "الغبانة".

متذكرين "يا بابا العيد جانا.. يا بابا نبغا غبانة".

وفي التاريخ تقلد العرب وسكان الحجاز العمائم.. أما صفة العمة الحجازية فتتمثل في قماش عريض طويل يلف على الرأس، تحته الكوفية المكية المدببة المنشاة، تلبس عادة على ثوب أبيض، ويشد وسط الثوب بحزام من قماش الصوف يقال له "البقشة"، أما "المصنف" فهو الإزار الذي يوضع على الكتف.

إبداعات التصميم

محمد أخون من أهالي جدة، يذكر أنه منذ سنوات قليلة بدأت موجة موضة حديثة انتشرت بين الشباب للعودة للتراث الشعبي الحجازي ويتمثل في العمة البلدي وما يتبعها، وبادرت إبداعات مصممين الأزياء الرجالية السعودية باستقاء تاريخ تراث الملابس الحجازية لخلق موجة جديدة من الملابس الرجالية، وإن كنا ندعوهم إلى عدم تغيير التصميم القديم الأصيل في طريقة اللباس وتفاصيل الثوب والعمامة الحجازية.

السيد سراج عبدالله العقاد، أحد أهالي مكة المكرمة، ذكر أن هنالك فخذا من آل العقاد أسسوا مصنعا للعمائم في الشام في ذلك الزمن، عرفت بعمامة "العقاد" كما فعل غيرهم مثل مصنع الحجار الذي يصنع العمامة الشهيرة "الغباني"، وكان التجار في الحجاز يستوردون منهم ومن الآخرين في الشام العمائم التي تسمى باسم صانعيها.

ويضيف: يرتبط لبس العمة البلدية الحجازية، بشخصية رجل الحارة المكي أو الجداوي أو المديني، فيتسم بالهيبة والوقار، ولا يجوز عُرفاً أن يمزح أو يستخف بنفسه، وكان لا يلبسها إلا كبير العائلة وكبار العوائل الحجازية، وكان سعر العمامة للكبار مرتفعا بالنسبة للمستوى المعيشي البسيط والفقير غالبا، الذي كان قبل عهد الخير والرخاء السعودي، فكانت تباع بالجنيهات الذهب وهي أعلى عملة في ذلك الوقت ولذلك لا يقتنيها إلا أعيان العوائل.

مناسبات واجتماعات

ويضيف العقاد بأنه فوجئ خلال زيارته لخارج المملكة بأن موجة العمائم الحجازية امتدت إلى بلدان أخرى كإندونيسيا وباكستان وتايلند، وذكر أن بائعا من عمان أكد له أن عملاءه في تلك البلدان يقبلون على شراء العمائم والجبة والبقشة الحجازية كثيرا، وأنهم يدفعون لشرائها مبالغ قد تصل إلى 5 آلاف ريال.

الشريف عارف بشبيشي، من أهالي مكة يذكر أن نساء أهل الحجاز ساهمن في صناعة بعض أنواع العمائم الحجازية فكانت العمائم البيضاء اليومية تطرز بأيديهن، وكان رجل الحارة الحجازي يلبسها في الأيام العادية أو خلال العمل أحيانا، لرخص ثمنها، أما العمائم الفاخرة فتلبس في المناسبات وصلاة الجمعة ولدى اجتماع رجالات الحارة، وتصل عادة من بلدان كانت ذات شهرة بصناعة العمائم ومنها سورية وتحديدا حلب.

ويؤكد محمد أخون، بأن العمائم أنواع فهناك عمائم أهل العلم الديني ولونها أبيض وتسمى "أدبه"، وهناك عمائم لأهل الوجاهة وأعيان الحارات وغالبا ما تكون "الغبانة"، وهناك عمائم خاصة لأهل الحرف والمهن، وكل منهم له طريقة خاصة في لفها.

زيارات معايدة

جميل برسالي، أحد أهالي مكة المكرمة شهير بلقب "العمدة" وصاحب متحف التراث الحجازي، يقول إن الطلب على العمائم يرتفع خلال فترة رمضان ويتزايد مع قرب العيد، حيث يتفاخر بأصالتها الكبار والشباب لدى زيارات المعايدة لبعضهم البعض.

وعن أنواع العمائم التي اعتاد أهل الحجاز لبسها إن هناك أكثر من عشرة أنواع للعمائم الحجازية وتصنع في سورية مدينة حلب تحديدا، وأشهرها "الغبانة" ولها ثلاثة ألوان البرتقالي إلى الأصفر والبني، والرشوان والعزيزي والأحمدية والبريسمي، والبالي والعنبر وأبو كفين، والسلطان، والضامة والسمسمية، والحمودي، والتوتة والسليمي.

وعن أسعار العمائم الحجازية يفيد بأنها أسعارها تتراوح بين 150 إلى 1200 ريال وقد تصل إلى 5 آلاف ريال، وهناك أنواع نادرة لا تقدر بثمن.