بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الفساد، ابتدأ منتدى الرياض الاقتصادي الأسبوع الماضي في جلسته الأولى عن أثر الفساد على اقتصاد البلاد. والحقيقة، لا بد لي أن أسجل تقديري للقائمين على منتدى الرياض الاقتصادي ولغرفة الرياض على وجه الخصوص، لأنها حولت المنتدى إلى عمل مؤسسي له أمانة مستقلة وجهاز متخصص، يعمل بفكر علمي وعملي من خلال ورش عمل يشارك فيها رجال أعمال ومسؤولون وأفراد متخصصون ومن عامة المجتمع من جميع أنحاء المملكة، وذلك على مدار العام، للتعرف على آراء وأفكار جميع المشاركين في الدراسة، ويشرف على هذه الدراسات خبراء من جميع التخصصات، وعلى مستوى عال من العلم والمعرفة والخبرة، وهي شهادة أسجلها لغرفة الرياض وللأمانة العامة لمنتدى الرياض الاقتصادي ولرئيس المنتدى الذي أجزم بأنه يسير على خطى علمية ويحقق نتائج هادفة لمصلحة الوطن.
واستكمالا لموضوع الفساد الإداري والمالي الذي طرح في منتدى الرياض الاقتصادي، ومن مبدأ الشفافية أطرح اليوم موضوع مشاريع المدن الاقتصادية التي توقعنا بأنها ستكون بديلا لإيرادات البترول لاقتصاد المملكة، وكأنها اكتشاف جديد لموارد جديدة لمستقبل المملكة، وإن الهالة الإعلامية المصاحبة للمدن الاقتصادية "سيلت لعاب" رجال الأعمال للاستثمار في المدن الاقتصادية، وأعادت الأمل والحياة للشباب السعودي العاطل عن العمل، وكما قال أحد المسؤولين عن هذه المدن آنذاك: إن المدن الاقتصادية الجديدة ستستوعب جميع الشباب والشابات السعوديين الباحثين عن عمل، ولن تلجأ للاستقدام لتغطية العجز في العمالة.
مقولات إعلامية لازالت تنتظر تحقيق أهدافها، وقد تكون قد حققت أهداف المسؤولين آنذاك أصحاب الصرخات الإعلامية، فأين هذه المشاريع العملاقة التي تستوعب جميع العمالة السعودية؟ وأين الخطط والاستراتيجيات التي وضعت لتحقيق الأهداف وتفاخر البعض بإنشاء شركة مساهمة طرحت بعض أسهمها للمواطنين، ولم يعلن آنذاك عن كيفية تقييم الأراضي وتكلفة تطويرها، وتزاحم المواطنين على شراء الأسهم دون معرفة وتقدير، اعتمادا على الهالة الإعلامية، وتمر السنين وما زالت المدن الاقتصادية تسير ببطء السلحفاة، ولولا الله، ثم القرار الحكيم من القيادة السعودية بإنشاء هيئة المدن الاقتصادية لتشرف وتتابع وتقيم مشاريع المدن الاقتصادية، لذهبت هذه المدن الاقتصادية في مهب الريح وباتت عرضة لأن تغطى برمال الصحراء.
ولولا الله، ثم موافقة القيادة السعودية، على منح شركة إعمار السعودية قرضا بخمسة بلايين ريال - كما يقال- لاستمرار التطوير، لولا ذلك لتوقفت الشركة المساهمة عن أعمالها حيث كانت أعمالها عبر السنوات الماضية شبه متوقفة، فأين ذهبت الخطط؟ وأين ذهبت المشاريع المدروسة؟
وقد سبق وأن كتبت متسائلا: هل ستتحول مشاريع المدن الاقتصادية إلى مخططات عقارية تتم المضاربة فيها؟ ومن هم المضاربون؟ أهم تجار عقار؟ أم موظفو الشركة؟ أم متسترون؟ أم غير ذلك؟
لقد كتبت وسأستمر في الكتابة، مطالبا بالوضوح والشفافية حول واقع المدن الاقتصادية وسير مشروعاتها، والتأكد من سلامة هذا الملف، وأطالب هيئة المدن الاقتصادية الجديدة التي أشيد بدورها وأمانة القائمين عليها، بفتح الملف وهي الأقدر والأجدر في اكتشاف الحقائق.
إن سياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تهدف ـ أولا وأخيرا ـ لدعم ومساعدة المواطنين، وضمان العيش الكريم لهم والحفاظ على الممتلكات وضمان الحقوق ومكافحة الفساد وتقويم الاعوجاج، وإن إعطاء حق الامتياز لشركة تطوير واحدة، والسماح لها بطرح أسهمها في الأسواق السعودية، ثم تمويلها بقرض حكومي بمبلغ خمسة بلايين هو دعم متميز لم تحصل عليه أي شركة مساهمة أخرى، وهو أمر يوجب على الشركة المطورة الالتزام بالوعود والعهود وتحقيق الأهداف وتوفير فرص العمل للسعوديين، وعدم المتاجرة في الأراضي السكنية والخدمية، وكم كنت أتمنى أن يبدأ بيع الأراضي على ذوي الدخل المحدود، وحصر معظم البناء على نظام الشقق السكنية، لأن المدينة اقتصادية، ومعظم العاملين بها مستقبلا موظفون تنفيذيون، وهذا هو واقع العاملين في المشاريع الاقتصادية.
أتمنى أيضا، أن تتاح الفرصة للمستثمرين السعوديين من ذوي المشاريع المتوسطة والصغيرة، وعدم قصرها على أصحاب المشاريع الصناعية الكبيرة والأجنبية، وآمل أن يغير القائمون على تطوير هذه المدن فكرهم وتوجههم للاستثمارات الأجنبية، ويعملوا على استقطاب المشاريع السعودية وكذلك مشاريع الخدمات المساندة التي يركزون فيها على الشريك الأجنبي.
إن طرحي اليوم هي دعوة إلى هيئة المدن الاقتصادية بمزيد من الشفافية لتوضيح وضع وحالة المدن الاقتصادية في المرحلة القادمة، والمعوقات التي واجهت نمو هذه المدن، وما الأخطاء التي ارتكبت في الماضي؟ لنستطيع أن نقومها في المستقبل.
لقد كنت من أوائل المتحمسين لفكرة إنشاء المدن الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص في المناطق الصغيرة؛ وذلك لخلق فرص عمل للشباب وفتح آفاق أعمال للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتنمية تلك المناطق وهو توجه صادق من خادم الحرمين الشريفين، وهذا هو مفهوم التنمية الشاملة، وحتى يتم تحقيق هذه الأهدف علينا أن نعمل سويا بكل شفافية.