علي المطوع


قبل الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت نذر التغيير والثورة معدومة فى مصر، كان احتقان الشباب ظاهرا وكانت وسائل تعبيرهم لا تتخطى وسائل التعبير الإلكترونية المعروفة، وكانت دعاوى التغيير وشواهده عند الجميع قليلة إن لم تكن معدومة، نظرا لجدية أجهزة النظام السابق في احتواء وتفريق كل مؤشرات التظاهر أو المساس بالنظام ورموزه. نزل الشباب إلى الشوارع والميادين ورفعوا لافتات التغيير وقاوموا الشرطة، صمتت الحكومة أياما عديدة، وبعد ثلاثة ايام أو تزيد قليلا نزل الإخوان إلى معترك الميدان وبشكل لا يمثل الجماعة بقدر ما يمثل الأعضاء والمنتمين، لأن الجماعة في تلك اللحظة كانت تخشى من توابع مواجهة دموية مع النظام ومؤسساته الأمنية. وبعد أن تفاقمت الأمور على النظام السابق وتسارعت وتيرة الأحداث وجدت الجماعة نفسها في معترك لحظة سياسية قد لا تتكرر، وهنا انبرى قادة الجماعة لاغتنام الفرصة والسيطرة على الثورة وقطف ثمرتها الأغلى والأهم ألا وهي كرسي الحكم.

شخصيا أرى أن الثورة ذاتها في مصر كانت تحتاج إلى ثمرة يانعة تستمد منها البقاء والاستمرارية، ووجدت الثورة في تنظيم الإخوان غايتها وبغيتها، فهم الفصيل الأكثر تنظيما وجاهزية وتأثيرا على الشارع، وهنا قطفت الثورة الإخوان ليكونوا وقودها للاستمرار والبقاء حتى حين.

لقد ركبت الثورة الإخوان ليحملوها إلى مآلاتها الطبيعية وسيقاتها الزمنية ولحظاتها التاريخية والمفصلية، والمفارقة الغريبة أن جميع القوى السياسية بما فيهم الإخوان يرون العكس.

لقد ارتكب الإخوان خطأ استراتيجيا كبيرا، فالوصول إلى الحكم وإن بدا نصرا مؤزرا عند الجماعة، فهو فى الحقيقة نصر تكتيكي موقت، ولكنه بالحسابات الاستراتيجية على الأمد البعيد خسارة ما بعدها خسارة. إن التركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي استلمها الإخوان تركة خاسرة وصعبة جدا، وفصيل مثل الإخوان حديث عهد بالتجربة السياسية لا يستطيع التعامل مع هكذا تركة فضلا عن احتوائها وإدارتها. والإخوان كفصيل سياسي محظور لم تتبلور لديهم ولا لمنظريهم وقادتهم فكرة سياسية ولا رؤية كاملة لحكم بلد مثل مصر، ربما مسلسلات القمع والاضطهاد التي تعاقبت على رموزهم وأعضائهم شغلتهم عن تكوين وتشكيل هذه الرؤية السياسية الواضحة التي تجعلهم أكثر جهوزية للحكم ومتطلباته، باختصار الإخوان تائهون بين أدبيات الجماعة وعناوينها الفكرية العريضة التي تشربوها في التنظيمات والخلايا وبين براجماتية السياسة ومتطلباتها، وهذا يتجلى في تعاطيهم السياسي مع الأحداث المختلفة، ولعل قطع العلاقات مع النظام السوري وتطبيعها مع إيران يؤكد ذلك ويثبته.

خلاصة الأمر أن الثورة المصرية ما زالت (سنة أولى تغيير)، وإن مصر مقبلة على مستقبل سياسي مشرق، والصندوق لن يكون الفيصل عند الفصائل المصرية المختلفة، لأن الثورة المصرية ما زالت مستمرة، والسيناريوهات التاريخية لكثير من الثورات تثبت ذلك. حمى الله مصر والمصريين من كل سوء.