ذات يوم وأنا في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، كان أحد الأطباء من الأصدقاء يشير لي في مكتبه إلى طبيبة أميركية كانت موجودة في ذلك المكتب، وقال إن المستشفى والبلد سيفقدان برحيلها من السعودية واحدة من أفضل الطبيبات في أحد التخصصات النادرة، وأن سبب استقالتها هو تلك الحالة التي كانت تعيشها بلادنا مع الإرهاب، يوم كان الأجانب مستهدفين من القاعدة عبر قتلهم واختطافهم.
تلك الطبيبة قالت، إنها وزوجها يتألمان لترك هذه الأرض التي أحبوها، وارتاحوا للعيش فيها، لكنها قالت فيما قالت من انطباعات وذكريات وملاحظات، إن الإرهاب كان طارئا، وكذلك تداعياته التي دفعتها للرحيل، لكن ما كان يخيفها كلما خرجت من بيتها مع زوجها بشكل يومي، وعلى مدى أكثر من عشر سنين، هو الطريقة التي يقود بها الناس السيارات في شوارع المدن السعودية، وتحديدا في الرياض وجدة، اللتين عملت وعاشت فيهما، حيث تتوقع أن تموت أو تصاب بإعاقة في أي لحظة، مهما كان زوجها أو سائقها ملتزمين بأنظمة السير، ومهما كانا حذرين؛ لأن المشكلة كما تقول تكمن في وجود فوضى كبرى لا مثيل لها في شوارع المدن، ودون أن تطبق أي قوانين تحد من هذه الفوضى، وتعاقب من يمارسها.
تذكرت كلام تلك الطبيبة الأميركية وأنا أقرأ مقالة للزميل محمد المهنا أبا الخيل في الزميلة "الجزيرة" يوم الأربعاء الماضي، وكانت بعنوان "أنقذوا الرياض من فوضى المرور".
ومما قال الزميل محمد في مقالته: ".. ومع أني لا أخرج وقت ذهاب الموظفين إلى دوائرهم، بل أتعمد التأخر حتى الساعة العاشرة صباحا حتى تخف زحمة المرور، إلا أن الفوضى لا تغيب عن شوارع الرياض في كل وقت وحين، وبات أكثر ما يميز الرياض، هو تلك الفوضى، فالمتسارعون يعرفون كل مواقع كاميرات ساهر، لذا لا يتوانون عن مضايقة الملتزم بالسرعة المحددة بمختلف الطرق، مثل التأشير بالنور العالي أو إطلاق المنبه بصورة استفزازية، أو حتى الاقتراب من مؤخرة السيارة بصورة مثيرة للخوف، وهم أيضا يعرفون الإشارات التي تخلو من الكاميرات، فيصيبهم عندها عمى الألوان فيصبح الأحمر والأخضر عندهم لونا واحدا، وأكثر الفوضى وضوحا في شوارع الرياض، هو طريقة وقوف السيارات في الشوارع، فلا أحد يقف حسب مخططات الوقوف، ولا نمطية الوقوف في الشارع، والوقوف المزدوج هو الغالب، بل إن كثيرا من السائقين بات يقف في المسار الأيسر من الشارع، خصوصا أمام الأسواق والدوائر الحكومية والمدارس، وأصبحت الرياض خالية من دوريات المرور التي تخالف المتعدين على نظام المرور، بل إن المخالفة لنظام المرور هي الشائع وليس الانضباط. لقد أصبحت الرياض مدينة ترفع الضغط بمجرد السير في شوارعها"
بقي أن أقول للزميل محمد، إن المشكلة ليست في الرياض وحدها، بل في كل المدن السعودية.