عادة ما تسعى النوادي الاجتماعية في بلاد الله إلى تعزيز عملية التنشئة الاجتماعية التي تكفل تعايشها مع المجتمع، وذلك من خلال الفهم السليم للمجتمع، وقيَّمه، بما يترك أثراً على اهتماماتها وسلوكها ويجعلها متقبلة لذاتها ولمجتمعها وتتوافق مع عاداتها وتقاليدها.

حينما نتجول في بلاد الله نجد أن تلك الأوطان تهتم بالبنية الاجتماعية وبالتنشئة إلى درجة عالية. فالفرد داخل هذه البنية ما هو إلا أولى لبنات المجتمع المكون للدولة ولاستقرارها أو اهتزازها. وهذا أمر مسلم به. وأعتقد أن قرائي الأعزاء يوافقونني الرأي. ولا يقتصر هذا الاهتمام على توفير المستشفيات أو الأدوية وما يحتاج إليه الفرد من متطلبات المعيشة، وهذا بطبيعة الحال أمر مهم للغاية؛ إنما الاهتمام بالصحة النفسية والبدنية والذهنية، والاهتمام بتوسيع الآفاق المعرفية، والعمل على التلاحم والحميمية مع الآخرين في إطار مجتمعي صحي، فهذا مع الأسف ما ينقص هذه المنظومة في بلادنا!

حينما تجولت في أنحاء الوطن لم أجد ما يسمى بالأندية الاجتماعية بالمعنى المنشود؛ وهو أمر مهم للغاية، فالنادي الاجتماعي يعمل على عنصر التنفيس؛ هذا أولاً، ويعمل على بذل الطاقة وتنفس هواء طلق رائق نقي من خلال الحدائق والمساحات الخضراء؛ ويعمل على تنمية المهارات وممارسة الهوايات بكل أنواعها، كل على حسب هواية الشخص تحت إشراف تام من متخصصين ومهرة؛ بدون الوقوف على شباك التذاكر وبذلك ما في الجيوب؛ لأن الأندية الاجتماعية قطاعات خدمية لا تهدف للربح، ولذا نجد أن المتنفس الوحيد هو (المولات) والتسوق، وهذا قد يحمل الفرد كثيرا من الأعباء المادية، وبالتالي لا يذهب إلى هذه الأماكن إلا أصحاب الجيوب المنتفخة ليس إلا! كما نجد باقي العائلات لا يجدون متنفسا إلا في الحدائق، وهذا أمر لا بأس به، إلا أنه يخلو من أماكن ممارسة الهوايات وتنميتها تحت أيدي مشرفين متخصصين.

أين يذهب أولادنا؟ وأين يذهب النشء الجديد؟ لا مكان سوى الشارع! أو المقهى أو الحديقة.. وبالتالي لا مكان لتنمية المهارات تحت عيون متخصصين ومهرة ومدربين.

هالني ما سمعته من إحدى صديقاتي وهي لا تجد مكانا لابنها، وهو بطبيعة الحال متفوق في دراسته، ولديه طاقة هائلة يريد أن يفرغها في مكان آمن! وعندما ذهبت لأحد النوادي رفضوا استقبال هذا الطفل البالغ من العمر 11 عاما بحجة أنه لم يبلغ سن الثامنة عشرة.. من أين جاء لنا هذا الشرط؟ ومن الذي سنه؟! ولماذا يحرم أبناؤنا من الاندماج وتنمية المهارات في هذه السن؟! بينما يقال إن الرجل ابن الست سنوات!

ولهذا فهذه المرحلة وما يتبعها من سنين هي التي تشكل بنية الشخصية على المستوى الأول، وهي التي ترتكز عليها تنمية الإبداع عبر المستوى الثاني؛ فكيف لنا بناشئة مبدعة سوية وهي لا تجد الحاضن الأساسي لهذا الصرح الذي نبنيه أو نهدمه بحسب معاملاتنا واهتماماتنا وتوجيهاتنا!

في هذا الزمن لم تعد ساحة الحارة أو الشارع مناسبة للتنشئة، ولخلق جيل مبدع وسوي ومحب وواع، ويحصل على آفاق معرفية لا تتوفر إلا بالجماعة، متداخلا معها، منسجما خلالها؛ فيتحقق لديه التواصل المجتمعي الجيد؛ ثم نوفر له مدارات اللعب في مدارات النوادي، فاللعب شديد الأهمية للشخصية، وليس اللعب في الملاهي المستوردة وشباك التذاكر المرهق؛ إنما اللعب من أجل صحة نفسية ومن أجل تنمية المهارات.

دعيت منذ أيام إلى حفل تكريم في أحد المهرجانات. وكان الحفل مقاما في أحد المراكز التابعة لوزارة الشباب والرياضة في مدينة سمنود في محافظة الغربية بمصر. وهالني ما رأيت فور دخولي المركز، فلم يكن المركز مبنيا على أحدث الطرق الهندسية، ولم يكن الناس تحت أجهزة التكييف وما إلى ذلك؛ إلا أن ما هالني هو كم البشر الموجودين في أرجاء هذا المركز بالرغم من أنه كان في أحد المدن النائية وبالمجان. فكان هناك شباب يلعبون الكرة، وشباب يتفرجون على عروض مسرحية، وشباب يحضرون ندوة في مكان آخر، وأطفال يمرحون مرحا بريئا هنا وهناك، وكان هؤلاء كلهم تحت إشراف ومتابعة. هذا ولم نضرب مثلا بنادي الصيد أو النادي الأهلي أو نادي دجلة أو نادي الترسانة، والتي تتبع جميعها لوزارة الشباب والرياضة، وإنما أحد المركز في إحدى المدن النائية (سمنود).

وأعتقد أن لدى بلادنا من الإمكانات المادية ما يفوق إمكانات تلك البلاد، ومع ذلك فلا وجه للمقارنة في هذا المجال. أتحدث عن ناد اجتماعي يحتوي على كل فئات المجتمع وخاصة الأطفال والناشئة.

لقد ذهبت إلى أحد المراكز الثقافية الخاصة في الرياض، والذي تتوافر فيه هذه الخصائص للكبار فقط، فوجدت أن الاشتراك الشهري يبلغ (ألفا وخمسمئة ريال)، فأنى للطبقة الشعبية الكادحة هذا المبلغ للفرد الواحد؟ كما أنه لا وجود للأطفال!

نحن من يهتم بالشكل على حساب المضمون من حيث الأبنية والمسارح والمراكز، إلا أنها تحمل بداخلها خواء يؤرق الخاصة والعامة؛ ويدفع بأطفالنا للعب في الشارع وبدون رقيب، ويدفع برؤوس الشباب إلى الهاوية.. فمتى يكون لدينا ناد اجتماعي يعمل على تعزيز اتجاهات الفرد للعمل التطوعي وخدمة المجتمع، وتوثيق الصلة بين الفرد والمجتمع عن طريق ما يقدم من خدمات تربوية هادفة، والتعرف على البيئة المحلية والمحافظة عليها، والاطلاع على معالم النهضة وتنمية اهتمام الأفراد بها، والمحافظة على الممتلكات العامة.. وبالتالي ينتج لنا: أولا، ارتفاع مستوى المهارات القيادية. ثانيا، تزايد توافق الأفراد مع قيم المجتمع واعتزازهم بها. ثالثا، الإقبال المتزايد على الأعمال الخدمية العامة للبيئة وللمجتمع. رابعا، انخفاض نسبة المشكلات الاجتماعية بين الأفراد. خامسا، زيادة الإقبال على المشاركة في المشاريع الاجتماعية والتطوعية.. أليس هذا أمرا مهما بالنسبة لمجتمع يتطلع للبناء والعطاء؟