"يا زمان العجايب وش بعد ما ظهر
كل ما قلت هانت جد علمٍ جديد
إن حكينا ندمنا وإن سكتنا قهر"
لم أجد أبلغ من هذه القصيدة الشعبية القريبة من نفوس الناس، لأبدأ بها مقالي، وخاصة أنني سأتحدث عن المرأة.
رغم نجاح الملتقى الثالث للتراث العمراني في مدينة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، إلا أن هناك منغصات أثرت في كوني امرأة؛ ومن أهمها جائزة التراث العمراني، التي ـ على الرغم من أن أغلب الفائزين بها طالبات ـ إلا أنه لم يتم تسليم الجائزة لهن مباشرة، بل لآبائهن أو أزواجهن أو حتى إخوانهن، مما أثار امتعاضي، إذ شعرت بإهانة كبيرة للجائزة نفسها، قبل أن تكون إهانة واستنقاصا من عقل وعلم اللاتي حصلن عليها.
لم أفهم لماذا يتم تسليم الجائزة لشخص كل مؤهلاته الذكورة، التي هي أيضاً ليس له بها فضل، وفوق كل هذا يأتي ناس "مدرعمين" في تويتر وينشئون "هاشتاق: "#اختلاط جامعة طيبة، بناء على صور التقطها جبان خلسة من الطابق العلوي لفتيات بكامل حشمتهن، لم ينكر هذا المختلس على نفسه تصوير الفتيات بغير معرفتهن أو موافقتهن، لكنه أنكر عليهن وجودهن مع أولياء أمورهن لإعطاء الزائرين الذين أتوا من مختلف أنحاء المعمورة فكرة جيدة عنا، وهم يشاهدون إنجاز بناتنا، وفكرة عن مشاريعهن الفائزة.
لكن مع الأسف، لا توجد قضية التبس فيها الحق بالباطل، واختلط فيها الصواب بالخطأ، ووقع فيها الغلو والتقصير، مثل قضية المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية؛ فالحق أنه لا توجد ديانة سماوية أو أرضية، ولا فلسفة مثالية أو واقعية، كرمت المرأة وأنصفتها وحمتها، مثل الإسلام.. فقد كرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها إنسانًا، وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها أنثى، وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها بنتًا، وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها زوجة، وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها أمًا، وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها عضوا في المجتمع. كرم الإسلام المرأة إنسانًا حين اعتبرها مكلفة مسؤولة كاملة المسؤولية والأهلية كالرجل، مَجْزِيَّة بالثواب والعقاب مثله، حتى إن أول تكليف إلهي صدر للإنسان كان للرجل والمرأة جميعًا، حيث قال الله للإنسان الأول آدم وزوجه: "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ" البقرة/35
ومما يذكر هنا أن الإسلام ليس في شيء من نصوصه الثابتة في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة نص يُحَمِّل المرأة تبعة إخراج آدم من الجنة، وشقاء ذريته من بعده، كما جاء ذلك في "أسفار العهد القديم". بل القرآن يؤكد أن آدم هو المسؤول الأول: "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً" طـه/115، "فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) طه/121 ـ 122.
ولكن بعض المسلمين، للأسف الشديد، ظلموا المرأة ظلما كبيرا، وجاروا على حقوقها، وحرموها مما قرره الشرع لها، باعتبارها إنسانًا، أو أنثى، أو ابنة، أو زوجة، أو أمًا.
والعجيب أن كثيرًا مما وقع عليها من ظلم وافتئات وقع باسم الدين وهو منه براء. لقد نسبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال في شأن النساء "شاوروهن وخالفوهن"، وهو حديث موضوع لا قيمة له ولا وزن من الناحية العلمية (كما قرر المتخصصون). هذا مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم- شاور زوجته أم سلمة في أمر من أهم أمور المسلمين، وأشارت عليه، فأخذ برأيها راضيًا مختارًا، وكان فيه الخير والبركة. ونسبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه زورا قوله: "المرأة شر كلها، وشر ما فيها أنه لا بد منها"، وهو قول غير مقبول قط، لا من منطق الإسلام، ولا من نصوصه. كيف والقرآن الكريم يقرن المسلمات بالمسلمين، والمؤمنات بالمؤمنين والقانتات بالقانتين، إلى آخر ما هو معلوم من كتاب الله تعالى.
ياقوم "أفلا تعقلون"؟