حالتان عندما يقترب منهما أي شخص فلا تتوقع كيف سيكون رد فعله، بل وفي كثير من الأحيان "لا تلومه"؛ عن اليأس والإفلاس أتحدث، وفي حالة "مسلسل القاصرات" يدرك المشاهد أن العمل يقوده حصان "الإفلاس الفني"، وبعيدا عن قضيته - غير المبررة - يبدو الفنان صلاح السعدني وقد وقع في "كمين فني" بمشاركته في المسلسل.

القاصرات، للكتابة سماح الحريري، وللمخرج مجدي أبو عميرة، تدور أحداثه حول زواج الفتيات بسن مبكر، ويرصد قصة "عبدالقوي" الرجل المسن -صلاح السعدني - التاجر بالصعيد الذي يهوى الزواج من القاصرات، ويشتري الفتاة الصغيرة بماله من أهلها الفقراء، بالطبع لتعيش حياة قاسية تضطر فيها الطفلة "الزوجة" إلى مجاراة رجل تجاوز خريف عمره.

والخط الموازي للعمل يتمثل في "عطر" - داليا البحيري - شقيقة عبدالقوي، وهي أرملة شابة تعيش معه وتزوجت وهي طفلة أيضا من رجل عجوز، وتعيش قهرا نفسيا، ويرى فيها المشاهد مستقبل الفتيات اللاتي تزوجهن أخوها، وتنزلق - كما يقول الكتاب في مثل هذا الظروف - لمستنقع الرذيلة رغم أن لديها ابنة "عروس".

يضرب السعدني في المسلسل على وتر "زواج القاصرات" في صعيد مصر، ويشعرك صناع العمل أننا أمام "ظاهرة" رغم محدودية حالات زواج الفتيات في سن مبكرة الآن على وجه الخصوص في جنوب مصر؛ مع ما يعيشه الصعيد من طفرة تعليمية ووعي، ولكن يبدو أن صناع العمل يتحدثون عن صعيد آخر لا وجود له إلا في بلاتوهات التصوير.

لقد بالغ البطل في "زيجاته" من الصغيرات "سنا"، و"رقما" لدرجة تصاعدت لتستقر عند مستوى "التنفير" حتى من مشاهدة العمل نفسه، وليس المشاهد" المقززة" التي تجمع المتصابي "عبدالقوي" بضحاياه اللاتي ينتهك براءتهن، كما ينتهك "خصوصية" مجتمع يرفض هذا السلوك الشاذ، وهو ما تجسد في المشاهد التي جمعت "عبدالقوي" والفتاة القاصر "ملك"، لتشعر معها بالغثيان لمجرد تخيل ما يدور في ذهن "العجوز" تجاه فتاة بريئة بعمر الزهور. لا أحد يقف ضد طرح قضية في قالب فني، لكن جرأة الطرح، وجرعات التعاطي الزائدة غير المقبولة، ولا المبررة في "القاصرات" تبدو "نشازا"؛ والفكرة في القضايا الجريئة التي تطرحها المسلسلات، تكمن في كونها قضايا اجتماعية تهم المشاهد في المقام الأول، ليرى المتابع كيف تضر هذه القضايا بالمجتمع، وتؤثر سلبا فيه، وهي المبررات غير الموجودة في "القاصرات"؛ فلا هي قضية تهم المجتمع، ولا تنطوي على مفهوم "الظاهرة"، فقط تراهن فكرة المسلسل على أن مزاج الجمهور هو الفيصل دوما في نجاح الأعمال، التي يجب أن تقدم له حلولا، في وقت لا يحمل العمل الفني تنويرا معينا.

المسلسل يواصل سقطاته، ويحاول تجميل صورة "الفكرة" بـ"حشر الدين والعلم" في تناولها من خلال شخصية شقيق عبدالقوي الأكبر رجل الدين، وهو طبيب شاب يعمل بالوحدة الصحية بالقرية، وهي محاولة لم تفلح في تجميل الوجه القبيح لـ"الطرح الجريء"، الذي لا يعدو عن كونه حالة إفلاس فني، أو مغامرة لم تكن محسوبة من قبل صناع العمل رغبوا في التجديد، فكانت المحصلة على طريقة" الكحل" و"العمى"، كما أن المخرج أعطى الأحداث الصغيرة التي مر عليها "السيناريو" سريعا مساحة أكبر بلا تبرير.

أما تميز السيناريو في "القاصرات"، فيبدو واضحا في إعطاء صوت لـ"الزوجات القاصرات"، وهو الأمر الذي لا يحدث في الواقع، ويتناول النص الأحداث على مسافة قريبة من الشخصيات، ويحسب للمسلسل أنه أسمعنا صوت "القاصرات المقهورات" بوضوح، لنشعر بهن، ونتماهى مع كل حالاتهن.

المسلسل بطولة صلاح السعدني، وداليا البحيري، وياسر جلال، وعايدة رياض ونهال عنبر، ويعرض على قناة "MBC دراما".