نبارك أولاً لوزير العمل الجديد معالي المهندس عادل فقيه على الثقة الملكية الكريمة وندعو له بالتوفيق في حمل الأمانة وأداء المهمة، فملفات العمل لا شك كبيرة وثقيلة ومعقدة، تأتي قضية البطالة وتوفير الفرص الوظيفية لشباب المملكة وشاباتها على رأس تلك الملفات، كما أشار إلى ذلك عدد غير قليل من الكتاب والكاتبات في الأيام القليلة الماضية، وكما أكد على ذلك صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز. وقضية البطالة، بالإضافة إلى تعقدها هي قضية متشعبة تحمل أبعاداً اجتماعية وثقافية وتشريعية تجعل منها "المهمة المستحيلة" بامتياز. لذا من المهم عند طرح الموضوع للنقاش التطرق للجوانب المختلفة المؤثرة في قضية العمل لكي تمتلك الحلول المقترحة شيئاً من القابلية للنجاح النسبي.

ومن الملاحظ أولاً أن الإحصاءات والدراسات المتعلقة بالبطالة والعمل، شأنها في ذلك شأن الكثير من الدراسات والإحصاءات الرسمية، تفتقد المصداقية من قبل الكثير. ومصدر غياب المصداقية هذا يرجع في الغالب، لا إلى عدم دقة تلك الإحصاءات والدراسات، ولكن إلى ضعف الشفافية في منهجيتها ومصادر معلوماتها، وإلى ميلها إلى إغفال الأرقام "غير المريحة" وترددها الموروث في الإفصاح بشجاعة عن مواطن الخلل تفادياً "للإحراج". لذا فإن إحصاءات البطالة المنشورة تقابل بالكثير من الشك الذي يؤثر بالتالي على إحساس المجتمع (بشقيه الحكومي والخاص) بخطورة القضية وأولويتها المطلقة.

إلا أن واقع البطالة المخيف قد لا يحتاج إلى كثير من الأرقام لكي نستشعر وطأته على المجتمع. ويكفي أن ننظر إلى أعداد الخريجين و الخريجات المتراكم في مدى السنوات العشر الأخيرة وننظر في المقابل إلى عدد الفرص الوظيفية (الفنية منها والمكتبية والحرة) التي خلقها الاقتصاد المحلي (ثم نطرح منها تلك التي شغلها غير السعوديين) (إما بسبب الكفاءة أو بسبب الأجر) لكي نحس بوطأة بطالة ثقيلة وخطيرة تنشب أنيابها في مجتمعنا الفتي. ولإدراك أكثر واقعية وإيلاماً لاستفحال البطالة ليس علينا إلا أن ننظر حولنا وقريبا منا، إلى أسرنا ومعارفنا وأصدقائنا، فكم من شباب وشابات تخرجوا بشهادات جامعية نظرية كانت أو عملية أو فنية ممن لا يجدون وظيفة توفر لهم فرصة العيش الكريم وتكفيهم معاناة الخيبة والإحباط والتسكع. وأستطيع القول بثقة ومعايشة واقعية إن المئات من طالباتي اللائي تخرجن خلال العشر سنوات الماضية بشهادة جامعية في تخصصات إنسانية وعلمية مازلن يبحثن عن عمل، كما أن الكثيرات منهن لجأن إلى العمل في غير تخصصهن وفي النزر اليسير من المجالات التي توفرت مؤخراً وهن في ذلك يكابدن ألم الحاجة من جهة و ألم ضغوط اجتماعية تتلبس لبوس الدين من جهة ثانية.

إن مشكلة البطالة متعددة الأبعاد و الأسباب – كما أشار لذلك وبدقة الزميل الدكتور عبد العزيز العويشق – وهي في ذات الوقت معروفة ومطروقة بكثرة. إلا أنني أرى أن من المهم استكمال هذا الطرح وذلك عبر التركيز على عددٍ من الأبعاد الرئيسية، والتي أبرزها في نظري:

1-العمل على إصدار إحصاءات دقيقة وذات موثوقية عالية للوضع الحالي والمستقبلي لأوضاع البطالة. إذ إن مصداقية الإحصاءات هي المحرك الأساس للسياسات التي تبنى عليها.

2-ولأن البطالة ذات أبعاد متعددة تشمل الثقافة والتعليم والتشريعات، لذا ينبغي العمل على إشراك المؤسسات الرسمية الأخرى في طرح الحلول وعلى وجه الخصوص وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة والإعلام ووزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة، كي لا يكون عمل كل جهة حكومية في وادٍ خاص بها. وهذه الوزارات بشكل أساسي شريك في إنتاج الوضع الحالي لذا فهي شريك في تغييره بذات القدر.

3-العمل على أن تكون وزارة العمل رأس الحربة في التنسيق بين الوزارات المختلفة وبين القطاع الخاص أيضاً من أجل خلق مناخ اقتصادي وثقافي وتشريعي وتعليمي يقود إلى القضاء على البطالة بشكل مبرم ودائم.

وترتبط قضية البطالة بشكل كبير مع قضية العمالة الوافدة، إلا أنه من المجحف القفز إلى الاستنتاج بأن حل مشكلة البطالة إنما يكمن فقط في وقف الاستقدام، ذلك أن أي مجتمع حي يحتاج دوماً إلى التفاعل مع الخبرات المستجدة في العالم، كما أن العمالة الوافدة تشكل (في الوقت الحاضر) أساساً لكثير من مشاريع التنمية. لذا فإن التحدي الرابع أمام وزارة العمل هو تطوير الآليات المتوازنة التي تؤدي إلى توظيف المواطن من منطلق الكفاءة والمنافسة الحرة لا من منطلق التفضيل والأولوية.

أما القطاع الخاص، وما أدراك ما القطاع الخاص، أو جله وليس كله، فإنه لا يفتأ يخرج علينا بتصريحات من قبيل: هذا المشروع سيوفر عشرة آلاف وظيفة... ذاك المشروع سيوفر عشرين ألف وظيفة .." وإذا ما بحثت ثم بحثت... ثم سألتهم أيان تلك الوظائف، فإن لسان حالهم يقول: "يا هذا، لقد أطربتنا بكلام، فأطربناك بكلام مثله". وعفا الله عما سلف.