لا توجد دولة واحدة في القرية الكونية، سواء أكانت متقدمة، أم نامية، أم فقيرة، تعارض بشكل مباشر أو غير مباشر أهمية تدفق الاستثمارات الأجنبية لأسواقها، لما تجلبه هذه الاستثمارات من فوائد جمة لا تحصى، أهمها رفع نسبة توطين الوظائف وزيادة عوائد الصادرات ونقل التقنية وتداول العملات الصعبة وانتقال رؤوس الأموال ورفع مستويات النمو الاقتصادي. لذا احتلت سويسرا في العام الماضي المرتبة الأولى في جذب الاستثمارات الأجنبية، تليها السويد ثم سنغافورة وأميركا وبريطانيا وألمانيا واليابان، بينما حققت المملكة المركز الثامن عالمياً والمركز الأول عربياً وشرق أوسطياً.
منذ تأسيسها قبل أكثر من 80 عاماً، اتبعت المملكة مبادئ التجارة الحرة واقتصاد السوق وسعت لفتح أسواقها أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فحققت في العام الماضي رصيداً صافياً يزيد عن 1100 مليار ريال. طبقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، التي تضم 192 دولة والتي أكدت في تقريرها الصادر في العام الماضي أن قيمة الاستثمارات الأميركية المتدفقة في السوق السعودي قفزت إلى المرتبة الأولى بنسبة 18%، تلتها الاستثمارات الإماراتية بنسبة 12%، ثم اليابانية بنسبة 10%، والكويتية بنسبة 9%، ثم الفرنسية بنسبة 7% والهولندية بنسبة 5%. وبينما حاز القطاع الصناعي السعودي على نصيب الأسد من هذه الاستثمارات، التي توزعت بنسبة 17% على الصناعة البتروكيماوية و14% على صناعة تكرير النفط و8% على الصناعات التكميلية و7% على صناعة التعدين، حازت الخدمات على الجزء الآخر من هذه الاستثمارات، وتوزعت بنسبة 4% على الكهرباء والتحلية و12% للبنية التحتية و11% في الخدمات المالية و10% في المقاولات و5% في النقل والاتصالات.
في مثل هذا اليوم احتفلنا قبل 8 سنوات بانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية وفي الأسبوع الماضي احتفلت اليمن بانضمامها للمنظمة، ليرتفع عدد الدول الأعضاء في منظومة العولمة إلى 160 دولة، تشكل الدول النامية والفقيرة 82% منها، بينما تشكل الدول المتقدمة والغنية 18% من إجمالي الدول الأعضاء. ولكن اكتساب عضوية هذه المنظمة ليس إلا الخطوة الأولى لكل دولة تتبعها خطوات ثابتة لتحقيق أهداف انضمامنا الرئيسية الرامية إلى الدفاع عن مصالحنا الحيوية وحصد مكاسبنا وتعظيم مواقفنا وتقليص الآثار السلبية الناتجة عن عشوائية العولمة. ولن تتحقق هذه الأهداف إلا من خلال مشاركتنا الفعالة والمتواصلة كأعضاء في هذا المحفل العالمي. فعلينا يقع عبء تنظيم تدفق الاستثمار الأجنبي إلى أراضينا من خلال تطبيق أنظمتنا بصرامة والتأكد من تنفيذ الدول لالتزاماتها لدى تطبيقها أحكام الاتفاقات الدولية التي وصل عددها إلى 28 اتفاقية تجارية. كما يقع علينا مسؤولية المشاركة في 76 لجنة فنية متخصصة ودراسة أكثر من 6000 وثيقة رسمية والمساهمة في صياغة المواقف التفاوضية لأحكام 74 اتفاقاً تجارياً جديداً لكي نتمكن من الاستفادة القصوى من تدفق الاستثمار الأجنبي لأراضينا، إضافة إلى المشاركة الفعالة في 7014 اجتماعاً رسمياً كل عام وخوض المفاوضات الثنائية ومتعددة الأطراف مع 160 دولة وتقديم 41 إشعاراً نظامياً وإعداد ودراسة ومتابعة تنفيذ تقارير السياسات التجارية لجميع الدول الأعضاء في المنظمة.
في تقرير "سهولة ممارسة الأعمال" الصادر عن البنك الدولي في العام الماضي، والذي يضم 181 دولة، أثبتت المملكة نجاحها في تحقيق مراكز الريادة العالمية. قبل انضمامنا للمنظمة كانت المملكة تحتل المركز الـ67 في عام 2005، وقفزت خلال السنوات الثماني الماضية إلى المرتبة الـ38 في عام 2006، والمرتبة الـ23 في 2007، والمرتبة الـ16 في 2008، والمرتبة الـ13 في 2009 والمركز الـ11 في عامي 2010 و2011. ومع ذلك لا زال هنالك حذر واضح من زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية لأسواقنا، علماً بأن نسبة السعودة في مشاريعها فاقت 27%، بينما لا زالت نسبة السعودة في مشاريع الاستثمارات الوطنية، التي تشكل نسبة 51% من إجمالي الاستثمارات، تقف عند حدود 10% فقط. كما أكدت كافة التقارير الصادرة عن وزارة العمل ومؤسسة النقد العربي السعودي على أنه في الوقت الذي لا يزيد عدد العاملين الأجانب في الاستثمارات الأجنبية على 274,000 عامل وبنسبة 5% من كافة عدد العاملين الأجانب في السوق السعودية، فإن عددهم يفوق في الاستثمارات الوطنية الـ5,946,000 عامل وبنسبة تفوق 95% من كافة العاملين الأجانب في السوق السعودية.
جميع التقارير المحلية والدولية أكدت أن الاستثمار الأجنبي في المملكة وجميع دول العالم هو الحل الأمثل لإثراء اقتصادنا المحلي وتوطين وظائفنا. فالمشاريع الاستثمارية بالمملكة أسهمت بشكل مباشر في ارتفاع قيمة مشترياتها المحلية إلى 225 مليار ريال، وفاقت مبيعاتها 395 مليار ريال، وزادت أجور عمالتها السنوية عن 29 مليار ريال، وحققت صادراتها في العام الماضي 58% من إجمالي صادراتنا السعودية غير النفطية.
نحن في أمس الحاجة إلى الاستثمار الوطني والأجنبي معاً لمضاعفة عدد مدننا الاقتصادية وبناء المزيد من مجمعاتنا الصناعية وتطوير أعمال مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة التي تشكل 85% من قطاع خدماتنا. كما نحن في أمس الحاجة إلى التحالفات الاقتصادية والشراكات الاستراتيجية التي تضمن سهولة تدفق مواردنا النفطية، وضخ المزيد من عوائدنا لإنشاء صناعاتنا التكميلية الأفقية والرأسية، وتوطين وظائفنا وتأمين مستقبل عمالتنا التي ستفوق 15 مليون سعودي في عام 2020. ولكن علينا أيضاً يقع عبء حسن الاستفادة من عضويتنا في منظمة التجارة العالمية لتنظيم وضع الاستثمار الأجنبي وتوجيه نتائجه لصالحنا وتفادي عشوائيته في أسواقنا.