خالد الفيصل يعرف تمام المعرفة عندما قرر استخدام "السؤال" في كلمته التي افتتح بها "فكر12" في 5 ديسمبر 2013 في دبي أنه يستخدم سلاحاً فتاكاً لا يمكن لأي مشارك أن يهزمه مهما كانت قوة بيانه.. أولاً: لأن السؤال الأداة التي قال فيها أبو هلال العسكري في كتابه "الصناعتين": ولو أني جعلت أمير قوم لما قاتلت إلا بالسؤال.. فإن الناس تهاب منه ولو ثبتوا بأطراف العوالي.. ثانياً: المضامين العميقة والرؤى البعيدة التي تحملها أسئلة خالد الفيصل حددت بالضبط كنه المشكلة العربية وعمقها، مما جعل المنتدين في "فكر"12 ينظرون إلى طروحاتهم بشكل مختلف، محاولين الاستنارة بتلك الأسئلة الصعبة جداً ويعززونها بالمعلومات ويدورون حولها دون الإجابة عليها.. وتحدد قوة المنتدين بمدى التعامل مع تلك الأسئلة. ونجاح أي طرح لكل مشارك في منتدى "فكر12" مرهون بمدى الاقتراب من الأسئلة المطروحة، وعدم تبني الأسلوب البلاغي والإنشاء وسرد القصص الجميلة.. وكان رئيس فكر قد طرح الأسئلة التالية: السؤال الأول: هل تجاوزنا أسوار الجهل؟ السؤال الثاني: هل أنخنا ركاب الفكر في واحة الحضارة؟ السؤال الثالث: هل بنينا قصور عروبة المعرفة؟ السؤال الرابع: هل احتضنا إسلام المبادئ والقيم؟ السؤال الخامس: هل أعملنا العقل في الإبداع والابتكار والبادرات؟ السؤال السادس: هل اكتفينا بالنقل والتقليد والاستعارات ولبسنا ثيابا غير ثيابنا؟.. إنها لغة مختلفة وطرح مختلف وافتتاحية غير تقليدية أزعم أن كل مشارك قد تخلى عن كل فكرة كان يحملها إلى المنتدى وبدأ في إعمال العقل في هذه الأسئلة السهام.
الأسئلة التي حددت بالضبط المشكلة العربية في عصر العولمة وفقدان الهوية، ولهذا لا بد أن خالد الفيصل قد حدد مسار الطرح ولا أقول استبدله.. هي أسئلة صعبة تأتي من قيادي متمرس يعيش معمعة المشكلة كمفكر وكحاكم وكمسؤول يعي تمام الوعي أن الخلاص مما يواجهه العالم العربي هو أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع مجتمعاتنا، وذلك ببساطة أن نضع تلك الأسئلة نصب أعيننا ونقيم كل إنجازاتنا بمدى الإجابة بصدق عن تلك الأسئلة، وألا تكون إجاباتنا عليها على طريقة "افتح فمك يرزقك الله".. بل بما تمثله من رؤى بعيدة وفكر حصيف وصدق وعزيمة لا تقبل الوهن وصراحة لا مراء فيها ولا تملق.
إن الأسئلة الستة التي طرحها الأمير خالد الفيصل في منتدى "فكر12" تمثل المشاكل الحقيقية التي أدت إلى تخلفنا كعرب عن بقية شعوب الله.. في ظني أن الأمير يتوقع ألا يخرج "فكر12" بإجابات نهائية على أسئلته.. لم أقل لم يتوقع أن يناقشوا، بل قلت لن يخرجوا.. بسبب بسيط جداً ومفهوم هو أن أسئلة خالد الفيصل قد فاجأت الجميع وربما أحرجت الجميع.. هذه الأسئلة هي بمثابة رؤى بعيدة لعلماء ومواضيع كبيرة لمنتديات وخطط طموحة لدول.. والأمير خالد طرحها في منتدى "فكر12" لأنه مثل شريحة ممثلة من العلماء في كافة الدول العربية.. هؤلاء العلماء الذين يقودون الفكر.. وهم المسؤولون بالدرجة الأولى عما تعانيه أمتهم العربية. وأراد الأمير أن يستشعر العلماء المنتدون المشكلة الحقيقية للعالم العربي، بدلاً من الخوض في مواضيع يتم تناولها بالتنظير البعيد عن الواقع. الأمير أراد بهذه الأسئلة الكبيرة جداً أن يقول للمنتدين إننا في "فكر" نريد حوارا ونقاشا وطرحا يتناول هذه المواضيع.. فقد تعبنا من التنظير.. وقد تعبنا من سرد القصص الجميلة.. وقد تعبنا من التبرير.. لقد تعبنا من كل شيء.. والنتيجة أن أمتنا كما ترون... فإذا أردتم الخلاص لها "أيها العلماء" فهذه بالضبط مشكلة أمتكم. وأنتم أيها العلماء العرب، ولا غيركم، لا شرقي ولا غربي، أنتم فقط معنيون.. وأنتم فقط مسؤولون عن وضع أمتكم.. وأزعم أن المنتدين بما يمثلونه من مستوى فكري متقدم قد سمعوا ووعوا ما قاله خالد الفيصل.. أقول قد سمعوا ووعوا، ولا أقول قدموا الإجابات الكافية في المنتدى.. نعم ناقشوا.. ونعم تبادلوا الأفكار.. ونعم حاولوا الإجابة.. أقول حاولوا الإجابة ولم أقل أجابوا، لأن الإجابة عن أسئلة من هذا النوع لا تأتي من قمة الرأس.. بعض المنتدين كانوا أذكياء وأوردوا معلومات تعزز أسئلة الأمير خالد لتفادي سهامها.. وهو مخرج ذكي.. وأعذرهم، فلو كنت مكان أحدهم لفعلت الشيء نفسه.. الأمير خالد يحترم العلماء ويعرف مكانتهم وقدرهم، وقد خاطبهم بمستوى عقولهم ووضع أمامهم ست قضايا ملحة.. ولعل الأبيات التي أوردها الأمير خالد في كلمته ترسم بعد الفكر الذي طرحه.. فقد قال:
وفي البيد سابقت الرياح لعلني
أحطم بالتفكير أبواب أسواري
وقلبت أبعاد المسافات باحثا
فطالت بصحراء المفاهيم أسفاري
وفي واحة للفكر يزهو عبيرها
أنخت ركاب المجهد الساهر الساري
الذي يعرف الأمير عن كثب، يعرف أن التفكير في الأمة وشباب الأمة ومستقبل الأمة أجهده، ولا يمكن أن تسمع له حديثا دون التطرق لذلك الهم الذي يحمله. الذين يعرفونه يؤكدون صدق ما ذهبت إليه، فهو لا يحتاج شهادتي، لكنه الواقع الذي تحتم علينا الموضوعية ذكره. وخلاصة القول: في منتدى فكر استخدم الأمير ما يؤكده لنا تراثنا من أن السؤال سهم لا تمكن هزيمته.. وقد أحسن الأمير استخدامه في منتدى "فكر12"، وذلك بتحديده بالضبط قضايا أمتنا ووضعها أمام علماء الأمة ومفكريهم.