لا يمكن إنكار أن العمل الدرامي منذ أن تشكلت إرهاصاته الأولى في المسرح الشعري الإغريقي، كان وما زال عاكسا لصورة المجتمع ومنقبا في تناقضاته ومشكلاته، وهي ولا شك أهم رسالة له، ولكن مشكلة الكثير ممن يتصدرون المشهد الدرامي العربي أنهم يعتقدون أنك لكي تكون فنانا جماهيريا، فإن أقرب طريق للقلوب والعقول هو النسخ الكربوني لبعض القضايا والحوارات الاجتماعية ثم تقديمها في قالب "تهريجي" يستجدي الضحكات دون أن يثير الأسئلة ويحرك العقول، لأن الطرح ذاته فارغ من القيمة الفنية والفكرية، وهو ما نشاهده منذ سنوات، وخصوصا في الأعمال التي تبث في شهر رمضان المبارك، ومع ذلك يمكن الإشارة إلى بعض الاستثناءات في هذا المجال، وخصوصا في بعض حلقات المسلسل الرمضاني الشهير "طاش ما طاش" الذي يعرض على قناة MBC . ففي اعتقادي أن حلقة" أيام الأسبوع" التي تحول فيها أبطال العمل إلى أيام الأسبوع السبعة، ثم دخول اليوم الأنثوي الثامن " ثمونة" على الخط، من أبرز الحلقات التي يمكن أن نعتبرها حلقة نوعية تنمي التفكير وتطرح القضايا الاجتماعية في قالب آخر، يُشرك المشاهد في التفكير والتحليل، دون أن يخل بالخط الدرامي، وفي ذات الوقت لا يتخلى عن الأسلوب الكوميدي الذي يسير عليه المسلسل منذ 17 عاما، وهو ما أكسبه جماهيرية واسعة على مستوى العالم العربي.

ومن خلال رصد بسيط لردود الفعل على حلقة" أيام الأسبوع"، يمكن للقائمين على الأعمال الدرامية المحلية، أن يطمئنوا إلى أن المشاهد لم يعد ذلك المشاهد الذي يضحك فقط على بعض حركات" الاستهبال"، بل إنه أصبح الناقد الفني الأول الذي يستطيع فك الرموز وتحليل الإسقاطات، وتقييم قوة الفكرة أو ترهلها.

وفي ظل الفقر الكبير في الأفكار الجديدة المثيرة للاهتمام، الذي تعانيه الدراما السعودية والعربية بشكل عام، أقترح على القائمين على الأعمال الدرامية الجماهيرية مثل "طاش" أو" بيني وبينك" أو "سكتم بكتم" أو غيرها من الأعمال المستقبلية، الاستفادة من الأفكار العميقة التي تحتويها مئات المجاميع القصصية أو الروايات التي تتكدس في المكتبات دون أن ينظر لها أحد، وخصوصا تلك التي تحوي نفسا كوميديا يتسق مع خط هذه المسلسلات، وإعادة كتابتها دراميا بالاتفاق مع مؤلفيها الأصليين، من خلال كتاب " سيناريو" محترفين. وعدم الاعتماد على كاتب أو اثنين من هنا أو هناك، أو انتظار أفكار تصل عبر البريد الإلكتروني لمؤسسة الإنتاج الفني كما هو حاصل الآن. ولعل تجربة الفنان السوري الكبير ياسر العظمة في " مرايا" خير دليل على أهمية ذلك، حيث وجد المشاهد أعمال الكاتب التركي الساخر "عزيز نيسين" مجسدة دراميا بشكل احترافي أعادها للأضواء وعرف الجميع بها. فهل يستفاد منها في تطوير الأعمال المحلية؟