يقول شالح بن هدلان "من ضحك بالثرمان، يضحك بلا سن".. هذه قصة حقيقية قد لا تبدو مهمة لدى بعض المتجهمين. قبل سنوات طلب مني أحد الأصدقاء ـ وكان على مشارف الستين ـ أن نسافر إلى إحدى الجزر البعيدة.. رتبنا أمورنا ووصلنا إلى وجهتنا.. كانت جنة الله في الأرض.. شواطئ رملية ناعمة يختلط فيها هدير الأمواج مع أصوات النوارس.. سكنا في أحد المنتجعات الساحرة.. نصفه على البحر ونصفه الآخر يطل على سلسلة من الجبال الخضراء.. كانت الجزيرة تشتهر بمطاعمها التي تتميز بالمأكولات البحرية اللذيذة.. الأمر الآخر أنها مركز للعلاج الطبيعي والتعافي والمساج.. أمضينا أغلب أيام الرحلة ونحن "نتسدح" في تلك المراكز الصحية.. لم نترك عضلة واحدة في حال سبيلها.. في إحدى المرات سألت صاحبي عن رأيه في المساج فقال لي: "الأصابع في هالجزيرة أنعم"!
مرت عشرة أيام ونحن غارقون في هذه الجزيرة النائية.. شعارنا: العودة إلى الطبيعة.. شعرت بأنني أولد من جديد ـ والله لا أبالغ ـ كانت مركزا حقيقيا للتعافي.. الغريب هو ندرة السياح العرب في تلك الجزيرة.. لم نجد سوى شاب خليجي مع زوجته، يسبحان في البحر.. عندما شاهدنا "اكفَهرّ وجهه وتجهّم".. لم نشاهده بعد ذلك.. يبدو أنه غادر الجزيرة!
في الليلة الأخيرة، كنا بالكاد نتحرك من العافية والصحة. أثناء جلوسنا على أحد المقاهي تعرض النادل للانزلاق أمامنا.. لا يجوز الضحك في هذه المواقف، لكن صاحبي ضحك حتى سمعه كل من في المقهى.. عدنا للمنتجع للنوم.. وراءنا رحلة طويلة.. بعد ساعة اتصل بي من غرفته يطلب النجدة، عندما ذهبت إليه وجدته قد انزلق في المغطس، وأصيب بكدمات في ظهره.. استدعينا الطبيب وكشف عليه، كنت أضحك بصوت منخفض على حالته.. تركته بعد الاطمئنان عليه.. دخلت غرفتي.. في دورة المياه تعرضت للانزلاق.. كدت أتعرض لإصابات بالغة لولا لطف الله عز وجل.. اتصلت بصاحبي سريعا.. أحضر لي ذات الطبيب ليكشف علي وهو يضحك.. اقترح علينا أن نذهب إلى المستشفى.. الانزلاقات في هذه السن خطيرة، لكننا رفضنا.. رجعنا إلى الرياض ونحن متجهمون.. بالكاد نتحرك من الكدمات والرضوض والإصابات التي تعرضنا لها. وضاعت عشرة أيام من الاسترخاء والاستجمام.
تقول العرب "احذر لسانك أن تقول فتبتلى.. إن البلاء موكلٌ بالمنطقِ"!