في بغداد ولدت، وعلى أرض القاهرة نشأت، وكانت ثمرة أبوين حجازيين يتحدران من مدينة رسول الله الكريم - صلى الله عليه وسلم -.. راهنت عليها الرياض كأول مبتعثة تدرس في الولايات المتحدة الأميركية، فكانت النتيجة أن أصبحت أول سعودية وعربية تتولى منصبا أمميا رفيعا في منظمة الأمم المتحدة.

شخصية بثراء "ثريا عبيد" الأكاديمي والعملي والوطني، يتوقف المرء عند الكتابة حولها، تائها من أين يبدأ وكيف سينتهي به الأمر. فامرأة الـ64 عاما، وهي أم لابنتين، لم تتردد بقبول تكليف الأمين العام للأمم المتحدة لها في عام 1997 للمشاركة في مهمة بأفغانستان والتفاوض مع حركة طالبان حول قضايا المرأة. أي قلب ذلك الذي تملكه تلك المرأة.. فالمهمة انتحارية بامتياز حتى بغطائها الدولي إذ لا تفرق ألغام الأرض هناك بين هذا وذاك، ناهيك عن كونها ذاهبة للتحاور مع فصيل مسلح لا يعترف بحق المرأة في الحياة أصلا.

في لقاء بعثة الأمم المتحدة مع طالبان، جادلت الحركة أن سببها في عدم افتتاح مدارس للبنات، نابع من خشيتها في "خراب" عقولهن على يد المدرسات اللاتي تلقين تعليمهن في العصر الشيوعي.. هنا اقتنصت ثريا عبيد الفرصة، ووجهت أكثر الأسئلة إحراجا لطالبان: ولماذا لا يخرب الأساتذة عقول الشباب؟.. فلم تجد صدى لجوابها وكان الصمت سيد الموقف.

ومن لا يعرف محطات ثريا عبيد، لا يمكنه الإجابة عن سؤال: لماذا لم تتردد في الذهاب إلى أفغانستان. فعبيد عاصرت قبل ذلك التاريخ نحو 3 حروب (الحرب الأهلية اللبنانية، الحرب العراقية الإيرانية، حرب الخليج الثانية)، إذ عملت في عام 1975 في منظمة الأمم المتحدة في بيروت، وانتقلت بعد ذلك للعراق خلال حربها مع إيران، وفرضت عليها ملازمتها لوالدها خلال مرضه أن تواكب حرب الخليج الثانية وهي على أراض المملكة.

عرف عن عبيد، التي تدرجت في المناصب الأممية على مدار أكثر من 3 عقود، انحيازها لـ"الضعفاء".. فركزت على الأسرة وشؤون المرأة والصحة الإنجابية وغيرها من الملفات التي تعتريها مواطن ضعف حسية ومعنوية. حتى حينما اختيرت كعضو لمجلس الشورى السعودي ضمن 30 سيدة يشاركن لأول مرة في التاريخ كـ"أعضاء" كاملي العضوية في المؤسسة البرلمانية، أعلنت أنها ستركز على قضايا المرأة وتنقلاتها وسفرها، ونوعية الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة، ومستوى التعليم في البلاد.

عبيد، والتي تعتبر أول سعودية وعربية يتم تعيينها في منصب أممي رفيع، تعترف بأن القضايا الاجتماعية هي الأقرب إلى قلبها بحسب اختصاصها. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الأدوار التي تولتها، أو عضويتها في كثير من مؤسسات المجتمع المدني.

في أول زيارة لها إلى المملكة بعد تعيينها مديرا تنفيذيا لصندوق السكان التابع للأمم المتحدة، قالت عبيد: "أشكر البلد التي كرمتني والقيادة التي وجهتني والأهل والأقارب الذين أحاطوني.. البعض يعتقدون أنني دخيلة على وطني المملكة العربية السعودية وأنني كنت أعيش طوال حياتي في الولايات المتحدة الأميركية، وهذا لم يحدث فأنا تلقيت دراستي الجامعية فقط في الولايات المتحدة وعندما وافق والدي على إرسالي إلى هناك كنت في السابعة عشرة من عمري، ولم تكن منحة دراسية لكن وزير التعليم آنذاك قال لوالدي ابعثها وإذا نجحت في الفصل الأول تحصل على منحة.. ونجحت وحصلت على المنحة وقيل لي: "ستكونين الفتاة السعودية الوحيدة الحاصلة على منحة دراسية لأميركا حتى تنتهين من التعليم الجامعي فإذا نجحت فتحت الأبواب وإذا فشلت أغلقتها".

استثمـار الرياض في "ثريا" كان في محله تماما، فها هي أول سعودية تحصل على منحة لأميركا عادت لبلدها لتنشغل بـ"الهم الوطني" من خلال عضويتها في الشورى، لتخلد قصة بلد وثقت بابنتها.. فلم تخيب البنت ظنها.