تتسارع الأحداث في المنطقة والعالم، بما يشي بأن القطبين الرئيسين المهيمنين على صناعة القرار الدولي، الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، يسعيان إلى إغلاق كثير من الملفات العالقة، والتفرغ لخوض غمار الدخول في مواجهات سياسية أخرى. وهناك مؤشرات كثيرة، تؤكد رغبة أميركا وروسيا، في نقل جاذبية الصراع الدولي، من منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي، إلى شرق آسيا.

ولعل توصل مجلس الأمن الدولي مؤخرا إلى اتفاق جنيف، حول الملف النووي الإيراني، الذي منح إيران ستة أشهر، لاختبار نواياها، وضمن لها حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية والتخصيب بنسبة محدودة جدا. كما أن التهيؤ لعقد جنيف2 للتعامل سياسيا مع الأزمة السورية، وتحديد نهاية يناير القادم، موعدا لانعقاد المؤتمر، خير دليل لما أشرنا إليه.

في هذا الاتجاه، تدرك القوى العظمي، أن أي حل عملي للأزمات المستعصية بالمنطقة، إذا ما غيب التعامل مع قضية الصراع العربي- الصهيوني سيكون محكوما عليه بالفشل، ولن يجلب السلام إلى هذه المنطقة، التي ظلت ملتهبة بفعل قضية فلسطين، لأكثر من 80 عاما، منذ وعد بلفور، الذي عبد الطريق لقيام كيان يهودي على أرض فلسطين.

لقد فشلت كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، ورفع الشعب راية المقاومة عاليا، وبقي مصرا على الإمساك بزمام مقاديره، وبحقه في تقرير المصير. ولم يعد ممكنا تجاهل المجتمع الدولي لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة فوق ترابهم الوطني، وعلى الحدود التي أقرتها الأمم المتحدة، ممثلة بالأراضي الفلسطينية التي احتلها الكيان الصهيوني في عدوانه على الأمة العربية في حرب يونيو عام 1967.

وبذات القوة، فشلت محاولات دمج الفلسطينيين بالكيان الصهيوني، وانتهت بالخيبة ما عرفت بالخطة الاقتصادية التحويلية، التي طرحتها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، قبل عدة سنوات لتحقيق "النمو الاقتصادي" في الضفة الغربية، التي أريد لها أن تكون بديلا عن الحل السياسي للقضية، ولصرف نظر الفلسطينيين عن المطالبة بحقهم في الدولة المستقلة. وكان الهدف المعلن للخطة الاقتصادية الغربية المذكورة هو أنها سوف تحقق منافع ملموسة للفلسطينيين، تسهم في تعزيز الزخم باتجاه السلام، وفقا لتعبير جون كيري.

تحركات وزير الخارجية الأميركي، السيد جون كيري الأخيرة، شملت لقاءه بالرئيس الفلسطيني أبو مازن، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وملك الأردن، عبدالله الثاني، هي محاولة لتنشيط محادثات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية المتعثرة. وقد تزامنت هذه الزيارة مع تسريبات، عن نية الإدارة الأميركية الضغط على الكيان الصهيوني والفلسطينيين، للالتزام بالجدول الزمني الذي حدد له كيري، في ربيع 2013 تسعة أشهر، للوصول إلى اتفاقية الوضع الدائم في فلسطين.

ومع أن عددا من المراقبين، وبعض المحللين السياسيين أشاروا إلى أن اتفاقية الوضع الدائم لفلسطين، ستستند على مبادئ كلينتون لمشروع السلام الصادرة في ديسمبر 2000، ومبادرة السلام العربية في مارس 2002، إلا أن التفاصيل الأخيرة للبنود المقترحة لاتفاقية السلام المقترحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبرعاية أميركية، تشير إلى غير ذلك.

فهناك تعامل مباشر، هذه المرة مع القضايا المعلقة، التي تسببت لعقود في تعطيل الحل السياسي، وعلى رأسها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وعروبة القدس، والمستوطنات. وتشير التسريبات، إلى أن مشروع التسوية، المتوقع إعلانه رسميا في بداية العام القادم، لن يكون حلا نهائيا، بل فترة اختبار، تستمر عشرين عاما، تبدأ على إثرها المرحلة النهائية. وستستند خطة التسوية الأميركية لحل القضية الفلسطينية، على القواعد التالية:

قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح وناقصة السيادة فوق الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وتحديدا بالضفة الغربية وقطاع غزة. وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، بالتعويض والتوطين خارج فلسطين، واستيعاب عدد محدود جدا منهم في الدولة الفلسطينية الوليدة. وسيتطلب ذلك تسوية أوضاع الفلسطينيين في المخيمات بالأردن ولبنان وسورية. وينتظر أن يتبنى المجتمع الدولي، دمج اللاجئين في المجتمعات التي يقيمون فيها، وتجنيسهم، وعدّهم مواطنين بالبلدان التي يقيمون فيها.

سيجري تفعيل مشروع تبادل الأراضي بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية، بحيث يعوض الفلسطينيون عن الأراضي التي أقام الصهاينة عليها مستوطناتهم، بأراض بنفس المساحة، من النقب ومناطق أخرى، من الأراضي التي احتلها الصهاينة عام 1948.

عدّ مدينة القدس عاصمة الكيانين الإسرائيلي والفلسطيني، حيث ستقام عاصمة الكيان الصهيوني في الجزء الغربي من المدينة، وتمثل المساحة الأكبر من المدنية المقدسة، وستصبح القدس الشرقية، التي تآكل معظمها عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة.

فيما يتعلق بعلاقة قطاع غزة، بخطة السلام هذه، هناك احتمالان:

الاحتمال الأول: أن تقبل حركة حماس، بسبب أوضاعها المتردية الآن، بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، وعزلتها عن معظم الدول العربية، وبسبب فقدانها لمواقع سياسية كثيرة، بالتفاوض مجددا مع السلطة الفلسطينية، وأن تخفف من حدة شروطها، بما يسرع في تحقيق الوحدة الفلسطينية، وذلك ما سوف يجعل التحاق القطاع بخطة السلام آنفة الذكر، أمرا بديهيا.

الاحتمال الثاني: أن تتدهور العلاقة أكثر بين حماس والحكومة المصرية، بسبب ضلوع حماس في عمليات التخريب التي تجري في سيناء، من قبل عناصر إسلامية متطرفة. وقد تجد الحكومة المصرية نفسها، مضطرة لاجتياح القطاع، وفي هذه الحالة، لن يكون مستبعدا تحقيق وحدة القطاع بالضفة عنوة، بما يقصي جماعة الإخوان المسلمين من حكم غزة، ويضيف نكبة أخرى، إلى نكباتهم.

المنطقة حبلى بالكثير من الأحداث، وفلسطين، قضية العرب المركزية لن تكون خارج معادلة التغيير.