كان لانتخاب "سرجي سوبيانيناس" عمدة لمدينة موسكو في أغسطس الماضي ـ وهو قومي متطرف ـ أثر ملحوظ في زيادة العنصرية ضد المسلمين في روسيا عموما وفي موسكو خاصة. وفي الأسبوع الماضي، صعق العمدة الجميع حين أعلن أنه لن يسمح ببناء أي مساجد جديدة في موسكو.
وكان هذا الإعلان آخر وأوضح مؤشر على نمو المشاعر العدائية تجاه المسلمين والمهاجرين إلى موسكو من الدول المجاورة والمناطق الروسية الأخرى.
ومع أن عدد المسلمين في موسكو يقدر بنحو مليوني نسمة، فلا يوجد بها سوى أربعة مساجد، تكتظ بالمصلين الذين يُضطرون إلى الصلاة في الشوارع أو الانتظار ساعات للصلاة فيها. وتقدر سعة هذه المساجد من خمسة إلى عشرة آلاف مصلّ فقط. وكان تبرير عمدة المدينة للمنع غريبا، حين قال: "إنها إنما تُستخدم من قبل العمال من خارج موسكو"، وفقا لتصريح في صحيفة "كريستيان صاينس مونيتور" الأميركية.
وهناك مسجد واحد في طور الإنشاء حاليا، وفيما عدا ذلك، صرح العمدة لصحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية بأنه: "لن يكون هناك رخص بناء جديدة؛ لأنني أعتقد أن في موسكو كفايتها من المساجد".
ويقول بعض قادة المسلمين في روسيا، إن السلطات حاولت من قبل منع بناء أي مساجد جديدة، ولكن هذه هي المرة الأولى، منذ وقت طويل، التي يُعلن فيها عن حظر كامل في موسكو.
ومع أن العداء ضد المسلمين والمهاجرين أوضح ما يكون في موسكو، إلا أنه ليس مقصورا عليها. إذ يقول "مكتب موسكو لحقوق الإنسان" إن استطلاعات الرأي تُظهر انتشار العنصرية والعداء للأجانب بين نحو 50% من الروس. وتقول منظمة العفو الدولية، إن العنصرية في روسيا أصبحت "خارج السيطرة"، وتشير إلى وجود عشرات الآلاف من النازيين الجدد في روسيا.
ويواجه بعض المهاجرين من غير المسلمين هجمات مستمرة، فوفقا لدراسة نشرتها إحدى منظمات حقوق الإنسان التابعة للكنيسة البروتستانتية، فإن 75% من الأفارقة واجهوا إهانات عنصرية في روسيا، وتعرض 59% من الأفارقة لاعتداءات جسدية متكررة، على الرغم من أنهم أصبحوا يتفادون الشوارع والمناطق المزدحمة ووسائل المواصلات العامة، خاصة المترو حيث تكثر الاعتداءات.
ولكن معظم الهجمات، وأشدها، هي تلك الموجهة ضد المسلمين، خاصة القادمين من مناطق القوقاز في جنوب روسيا. ومع أنهم يُعدّون مواطنين كغيرهم من الناحية الرسمية، إلا أن ذلك لم يشفع لهم أمام العنصريين، ولم يوفر لهم الحماية الكافية من قبل الشرطة خارج مناطقهم.
ومما يؤكد انتشار العنصرية ما حدث في برنامج تلفزيوني على القناة الروسية الأولى في أكتوبر الماضي، حين استضافت قوميا متعصبا معروفا يدعو إلى وضع قيود على الإنجاب لدى المسلمين الروس في "القوقاز"، وإلى الحد من تنقلهم داخل البلاد. وخلال البرنامج أجرت القناة استطلاعا للرأي من خلال الرسائل النصية والإنترنت أظهر أن أغلبية المشاهدين تؤيد هذا المتطرف.
وعلى الرغم من تكرر الجرائم البشعة ضد المسلمين في روسيا، إلا أن السلطات لم تتمكن حتى الآن من الحد منها، فهي في ازدياد متسارع يثير القلق. في إحدى الهجمات الشنيعة في مدينة "سانت بيترسبرغ" اعتدى شباب من مجموعة "حليقي الرؤوس" العنصرية على طفلة طاجيكية في التاسعة من عمرها بطعنها حتى الموت. وفي حادثة أخرى مقززة قام "الحزب النازي الروسي" بوضع مقطع فيديو على الإنترنت يوثق قطع رأس شاب طاجيكي وآخر داغستاني.
وعلى الرغم من أن هذه الحوادث وغيرها قد أثارت غضبا عارما خارج روسيا، فإن الهجمات على المسلمين في ازدياد مستمر. فوفقا لمركز "سوفا"، الذي يختص بمراقبة العداء ضد الأجانب والأقليات في روسيا، قُتل عشرة أشخاص وجرح "24" خلال ثلاثة أشهر "مايو، يونيو، يوليو 2013"، ولكن العدد ازداد إلى "53" خلال الفترة اللاحقة "أغسطس-أكتوبر"، أي بعد انتخاب "سرجي سوبيانيناس" عمدة لموسكو، الذي أطلق العنان للمشاعر العنصرية.
ووفقا لمركز "ليفادا"، وهو منظمة حقوقية أخرى، فإن نحو 30% من الروس، و49% من سكان موسكو يحملون مشاعر عداء تجاه سكان منطقة القوقاز. ويتضح من الدلائل المختلفة أن التطرف العنصري ينتشر بشكل أشد في موسكو العاصمة.
في شهر نوفمبر كتب "فلاديمير ريزخوف"، وهو نائب سابق وصاحب برنامج تلفزيوني، في جريدة "موسكو تايمز" الناطقة بالإنجليزية، يقول: "لم يسبق أن قامت النخبة الحاكمة في روسيا بإثارة العداء بهذه البجاحة ضد الأجانب والمهاجرين، مثلما فعلت على مدى الأشهر القليلة الماضية". وأشار إلى "ارتفاع حاد في عدد الهجمات العنصرية العنيفة على مدى العام الماضي، حيث يجوب الشباب العنصري المتطرف محطات القطارات، ويسحبون من القطارات من لا يبدو عليهم أنهم "سلافيون"، ويضربونهم أمام مرأى ومسمع الركاب الآخرين".
ومع أن روسيا كانت على مدى قرون عدة بلدا متعدد الأعراق، إلا أن الروس أصبحوا اليوم يفضلون بشكل متزايد أن تتحول بلادهم إلى بلاد للروس فقط، حيث انتشر شعار "روسيا للروس". ووفقا لصحيفة "موسكو تايمز"، بلغت نسبة مؤيدي هذا الشعار23% من الروس، و43% من سكان موسكو، المدينة العالمية العريقة.
وتدل استطلاعات الرأي كذلك إلى أن المشاعر العدائية تبلغ أوجها تجاه سكان منطقة "القوقاز"، مع أنهم مواطنون في الدولة الروسية. ويتناسى أعداؤهم ذلك، وأن القوقازيين لم يصبحوا جزءا من روسيا باختيارهم، بل فرضت روسيا ذلك عليهم فرضا حين احتلت بلادهم وقاتلت بشراسة محاولات الاستقلال، كما رأينا في الشيشان. وينسون كذلك، أنهم لو حصلوا على استقلالهم لربما غادروا روسيا إلى الأبد.
وقد بدأ العالم يراقب طريقة تعامل روسيا مع الأقليات، وهي تستعد لاستضافة كأس العالم في عام 2018، حيث لاحظوا كيف يتعامل المشجعون مع اللاعبين الأفارقة بعنصرية متخلفة. ولذلك، وكي تحسّن من سمعتها، إن لم يكن من باب احترام المواثيق الدولية، فإن على روسيا أن تتحرك سريعا لوقف انتشار مرض العنصرية الذي بدأ يستفحل، إن لم يكن قد أصبح "خارجا عن السيطرة" حسب وصف منظمة العفو الدولية.