أدرك منذ طفولته أن الكفاح هو الرحم التي يولد منها مستقبل أي إنسان بعد ولادته الأولى، فحين نهض من طفولته سار مسرعا باتجاه نفسه ممسكا بشبابه الذي قسا عليه كثيرا في مضمار التحديات التي برع في تحديها حتى أصبح عنوانا لحياته، لكن حياته تلك لم تكن إلا لوطنه وقادته وأمته.
قليلون هم من يستلذون التعب لخدمة أوطانهم، وهو من أولئك القلائل جدا، إلا أنه يزيد عليهم باستعداد الدائم لتحمل المزيد من الأعباء في كل المهام الشديدة التعقيد التي خاضها بنجاح باهر ولايزال. وهو في غمار ذلك يحمل في قلبه قيم وجوهر الإنسان المتواضع والمرح في آن واحد، الوفي في علاقاته التي أنجبت له الكثير من الأصدقاء، عاشق للحياة في أنسها وفي لحظاتها القاسية بأحداثها المتسارعة والمختلفة. لقد غيّب هذا الأمير نفسَه وصوته داخل أسوار نفسه؛ ليَحضُرَ ويُسْمعَ صوتُ وطنه فقط، في الوقت الذي كانت فيه أستديوهات وعدسات العالم تتوجه إليه منشغلة به لكنه لم يكن ليفكر في أن يشغلها بشخصه.
إن قراره الأول في حياته يترجم روحه المغامرة واعتماده المبكر على نفسه حين قرر الالتحاق بأكاديمية سلاح الجو الملكي البريطاني وهو في سن السادسة عشرة من عمره، ومع إصراره الشديد على خوض ذلك التحول في حياته فوجئ بأن سنّه كانت تحول دون التحاقه بالأكاديمية، مما اضطره لزيادة سنة في عمره، وبعد مضي ثلاثين شهرا من التدريب القاسي تخرج طيارا حربيا، وفور عودته محلقا بحلم شبابه، عُيّن برتبة ملازم ثان بقاعدة الظهران الجوية، وقائدا لأكثر من سرب في قاعدتي الطائف وخميس مشيط الجويتين، إلا أنه وفي قاعدة الخميس وأثناء مشاركته في أحد العروض الجوية في معرض القوات المسلحة نفذ هبوطا اضطراريا لعدم نزول عجلات طائرته فتعرض على إثر هذا الحادث لإصابة في الظهر، وقفت خلف تركه لمهنته كطيار حربي بعد ثماني سنوات من التدريب الخارجي وتطوير الذات والنجاح، لكن المفارقة حين نعلم أن الطائرات التي أنهت مسيرته كطيار كانت تقف خلف تحليق من نوع آخر بدخوله الأول لأجواء المجال السياسي عام 1978عندما انضم لمساعدة فريق سعودي بواشنطن لشراء أحدث الطائرات في ذلك الوقتf -15 .
هذا الطيار الحربي في بدايات شبابه، وقائد أوكسترا صنع القرار السياسي في أصعب وأقوى مراكزه العالمية فيما بعد، خاض بذكاء فطري العديد من المعارك السياسية لتحقيق مصالح وطنه والسلم العالمي، فهو من أدار بحنكة صفقة شراء طائرات الأواكس، وساهم بشكل فاعل ومؤثر في إنهاء أزمة لوكربي، وكان الماهر في تكوين التحالف الدولي ضد احتلال صدام للكويت، فضلا عن نجاحه الكبير في تكريس الثقة في العلاقات بين المملكة وأميركا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ورغم حساسية الكلمة بحكم عمله، وبصفته أحد الفاعلين والمؤثرين في الحياة السياسية والدبلوماسية طيلة العقود الماضية، إلا أنه لم يكن ليتحدث إلا بالحقائق والصدق... صريحا وغامضا في اللحظة ذاتها، موقنا أن في الغموض حِكما بالغة، لم يكن ممن يرفعون وتيرة الأنا أو الصوت العالي في معترك الحياة الدبلوماسية، إذ كان يقضي مصالح وطنه بعقله لا بصوته، فكسب إعجاب واحترام العديد من رؤساء الدول وصناع الرأي، وهو بعد كل نجاح يتواضع كعادته ناسبا النجاح للحظ بقوله: "أُفضّل أن أكون محظوظا على أن أكون ذكيا".. هو رجل دولة قال عنه نيلسون مانديلا "تستحق إنجازات الأمير بندر اعترافا دوليا، عمل من أجل السلام، فهو رجل مبادئ ودبلوماسي ذو قدرات مدهشة، وغالبا ما وجه نمط الأحداث العالمية".