إنجاز غير مسبوق تحققه وزارة التعليم العالي ممثلة في الملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الأستاذ الدكتور محمد عبدالله العيسى الملحق الثقافي السعودي بالولايات المتحدة، وبجهود جبارة تبذل من قبل الأستاذة الدكتوره سمر السقاف المسؤولة عن برامج تدريب وتأهيل الأطباء والطبيبات السعوديين للتدريب في المستشفيات الأميركية وتكملة دراستهم في الجامعات الأميركية.

ويعد برنامج المطابقة الأميركية للقبول في التدريب للزمالة الطبية من أهم البرامج وأقواها في العالم، ويصعب القبول فيه، حيث كان في السنوات الماضية يعد القبول فيه معجزة للأطباء السعوديين، إذ يتقدم سنوياً عن طريق البرنامج الوطني Residency match program أكثر من خمسين ألف متقدم من جميع أنحاء العالم، ويتنافسون على 2300 مقعد، وكانت السعودية لا تستطيع أن تحصل على أكثر من 3 إلى 5 طلاب من الأطباء حتى عام 2013، قفزت الأعداد إلى 95 مقعدا بعد اجتياز الأطباء السعوديين اختبارات الرخصة الأميركية التي حققت عام 2011 أكبر عدد لدول الخليج، ويعد حصول المملكة على أعلى رقم في عام 2013 خبرا أدهش المسؤولين المعنيين في الولايات المتحدة الأميركية. وهو إنجاز يحسب للملحقية الثقافية السعودية في أميركا، وأخص على وجه التحديد الإدارة المعنية بإلحاق الأطباء والممرضين في برامج التدريب، وعلى رأس هذا القسم الدكتوره سمر السقاف التي استطاعت فتح الأبواب المغلقة لفترة امتدت أكثر من خمسين عاما، ويكفينا فخرا واعتزازا أن أكثر من 30% من طلاب القسم الطبي ملتحقون بـ10 جامعات هي الأكثر تميزاً في الولايات المتحدة.

لقد أبدى السفير الأميركي في السعودية إعجابه وتقديره بهذا الإنجاز غير المسبوق، إذ إن عدد الأطباء السعوديين المتخرجين من أميركا محدود جداً لصعوبة القبول في برامج المطابقة الأميركية. لكن السؤال المهم الذي أطرحه اليوم هو: لماذا ترفض المستشفيات الأميركية المتميزة قبول الأطباء والممرضات السعوديات للتدريب لديها في الوقت الذي تفتح بعض هذه المستشفيات أبوابها لتدريب الأطباء اللبنانيين أو بعض الأطباء الخليجيين غير السعوديين؟ وللإجابة عن هذا السؤال تعمقت في البحث والاستقصاء فوجدت السبب هو أن رئيس الحكومة اللبنانية السابق ـ رحمه الله ـ رجل الأعمال رفيق الحريري تبرع بحوالي مئة مليون دولار لبعض المستشفيات الأميركية قيمة كراسي علمية ودعم البحث العلمي لها مقابل تدريب الأطباء والممرضات اللبنانيين عبر اتفاقية قبل حوالي عشرين عاما، وبهذه الاتفاقية حصلت مجموعة كبيرة من الأطباء اللبنانيين على قبول سهل للتدريب في هذه المستشفيات بالولايات المتحدة. وبناء على هذه الاتفاقية تفضلت مؤسسة حريري بالتوسط لبعض الأطباء السعوديين على حصة الحريري للتدريب في هذه المستشفيات.

أليس من المخجل لنا كرجال أعمال سعوديين وكشركات ومؤسسات وكمسؤولين في وزارة المالية ووزارة الصحة وغيرها من المؤسسات الصحية في المملكة أن يتدرب أطباؤنا السعوديون على صدقة مؤسسة الحريري؟ جزاه الله خيراً، الذي جمع وكون ثروته العملاقة من المشاريع في المملكة وسخر الفائض منها لطلبة العلم اللبنانيين سواء بالابتعاث أو التدريب، وفتح لهم الأبواب في المستشفيات والجامعات الأميركية من خلال تبرعاته. أيعقل أننا لهذا السبب لم نستطع في الماضي أن نحصل على قبول لتدريب أطبائنا في المستشفيات الأميركية؟ ألم يكن من الأجدى تحويل جزء من مساعداتنا الخارجية إلى دعم وشراء كراسي علمية وأبحاث علمية للمستشفيات ومراكز البحث الطبية الأميركية مقابل تدريب الأطباء السعوديين؟ أين شركات الاتصالات التي تربح بالبلايين من سكان المملكة؟ وأين رجال الأعمال، وأين الشركات المساهمة والبنوك السعودية؟ وأين ورثة الأغنياء، أين دور الشركات الدولية التي تحصل على مشاريع بالبلايين من الحكومة السعودية؟ أليس من الأجدى أن تفرض عليهم نسبة من أرباحهم لدعم تدريب أطبائنا أو مهندسينا في الخارج؟ أين ميزانية وزارة الصحة الضخمة التي لو خصص جزء بسيط منها لدعم البحث العلمي في بعض المستشفيات الأميركية المتميزة مقابل قبول أبنائنا الأطباء للتدريب فيها، لأدى الغرض.

إن فكرة تخصيص ميزانية تحت تصرف الملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة لدعم البحث العلمي الطبي في المؤسسات الطبية الأميركية قد تسهم في فتح الأبواب لأطبائنا للتدريب في مستشفياتهم.

الطب ليس علما أكاديميا فقط، وإنما أساسه الممارسة والتدريب على أرض الواقع. وقد يكون من الأجدى وضع برنامج خاص لسنة الامتياز للأطباء السعوديين خريجي الجامعات السعودية والعربية للتدريب في المستشفيات الأميركية مقابل دعم مالي لها يتم الاتفاق عليه.

أعلم جيداً أن قيادة المملكة العربية السعودية حريصة كل الحرص على تأهيل أطبائنا أحسن تأهيل، لكن المعوقات التي يواجهها الأطباء للتدريب في داخل المملكة وخارجها تحتاج إلى من يصل بصوتهم لصانع القرار. كم أنا فخور بالدكتورات السبع السعوديات اللاتي اختارتهن وزارة التعليم العالي للعمل في الملحقيات السعودية في خارج المملكة، وأتمنى أن يزداد العدد أو يتضاعف ضمن برنامج سعودة الموظفين في الملحقيات الثقافية والسفارات السعودية.