أكد أستاذ الدراسات العليا الشرعية، وعضو الجمعية الفقهية، والباحث في مجمع الفقه الإسلامي، الدكتور فهد بن سعد الجُهني، على عدة أمور فقهية تتعلق بفقه الصيام، وطبيعة الأسئلة السنوية المكررة التي يطرحها البعض، مرجعاً ذلك إلى "الجهل أو "الاحتياط الزائد"، كما ركز الدكتور الجهني في حواره مع "الوطن"، على أهمية التزام البرامج الفقهية الرمضانية، وبخاصة في نوازل أحكام الصيام، بفتاوى هيئة كبار العلماء، أو المجامع الفقهية المعتبرة، فإلى نص الحوار:
دعنا نبدأ بإعطاء توصيف عام للإشكالات الفقهية الرمضانية.
أبرز الإشكالات الفقهية التي تواجه المجتمع في شهر رمضان، يمكن تقسيمها لنوعين، الأول: مسائل متكررة مُعتادة يكثرُ السؤال عنها، إما للجهل بحكمها أو رغبةً في الاحتياط، وهي مسائل إما منصوصٌ على حكمها في الكتاب والسنة أو تجد أن العلماء قد أفتوا فيها باجتهادهم المبني على الكتاب والسنة من قديم وحديث مثل السؤال عن بعض أنواع المفطرات التي ظهرت في المجتمع من عقود من الزمان ولم تكن موجودة من قبل كالإبر وبخاخ الربو... إلخ.
أما النوع الثاني فهي مسائل حادثة أو نازلة تحتاج لاجتهاد فقهي جديد؛ وهي محدودةٌ جداً ولا تخلو ولله الحمد، من بيان للفقهاء، لا سيما في مجامع الاجتهاد الجماعي.
لكن كثيراً من المسلمين لا يهتمون بأمور دينهم من جهة الأحكام الفقهية.
صحيح وذاك هو الإشكال الحقيقي، ولذلك تجدهم – كما ذكرت- يقعون في الغلط أو يوقعون أنفسهم في الحرج، ومن هنا تكثر الأسئلة حتى في الأمور الواضحة المتكررة.
هناك من ينتقد المؤسسات الفقهية –وأنت عضو بأحدها- بأنها لم تنجح أساساً في صياغة بـ"مجتمع فقهي ملم بالأحكام الرمضانية"، كيف ترد على ذلك؟
ليس هناك ما يمكن تسميته بمجتمع فقهي رمضاني، ولكن الموجود هو فقه الصيام، وهو بابٌ كبير وأصيل من أبواب الفقه الإسلامي، تناول الفقهاء تفاصيل أحكامه بشكل واضح ودقيق، وهو ميسرٌ لمنْ أراد التفقه في دينه، وما يستجد من أحكام يتفرع ويتخرج على هذه الأصول الفقهية، أما تكرار نفس الأسئلة فهذا مردهُ كما أسلفت، الجهل أو الرغبة في الاحتياط الزائد، وهذا ينسحب على مسائل الصلاة والحج واللباس... إلخ.
هل أثرت المدارس الفقهية، وتنوع وسائل الفتوى، وبخاصة البرامج الفقهية الاستفسارية التي تكثر في رمضان، في إرباك الناس تجاه أحكام الصيام؟
مسائل الصيام ليست كمسائل البيوع مثلاً أو حتى الحج، فهي مسائل منصوصٌ على حكم أكثرها في الكتاب والسنة، ومساحة الاختلاف أو الاجتهاد فيها ليست واسعة، وأشيرُ هنا: إلى أن معظم النوازل الجديدة في مسائل الصيام قد صدرت فيها قرارات وفتاوى مجمعية، فالذي يُقلِّل من دائرة الخلاف أو الإرباك للناس هو التزام من يخرج في هذه البرامج بهذه الفتاوى المجمعية أو فتاوى هيئة كبار العلماء، حتى يضيق الخلاف.
هناك مطالبات في الوسط الفقهي المحلي، تتمركز حيال مساهمة الكليات الشرعية، في تهيئة المجتمع نحو أحكام الصيام.
الكليات الشرعية يفترض أن تكون مؤثرة في مجتمعها المحيط بها، وهي مهيأة بما تملك من إمكانات بشرية متخصصة للقيام بدور توعوي توجيهي كبير، وذلك من خلال الشعور بالمسؤولية العلمية والانفتاح على المجتمع، وذلك بعقد الندوات الفقهية ومشاركة أساتذتها في المساجد لتفقيه المجتمع في أحكام شريعتهم، ونشر الفتاوى الصحيحة والموثوقة.
هل تعتقد أن مواقع الإنترنت التي ربما لا يتمتع بعضها بخلفية شرعية أو فقهية واضحة، تؤثر في خارطة إدراك الأحكام الفقهية في رمضان نحو إطارات المجتمع المختلفة؟
صحيح ، فليس كل موقع إلكتروني يكون موثوقاً ومؤهلاً لتلقي العلم الشرعي منه، فلا بد لمنْ يُطلق مثل هذه المواقع التي لها علاقة بدين الناس وتوجيههم أن يتقوا اللهَ تعالى، وينبغي على عامة الناس التأكد من الموقع ومنْ المسؤول عنه وما هي الجهة التي أطلقته.
الآن مع توسعات الحرم المكي الشريف، ومطالبات الجهات المعنية بتخفيف القدوم إلى مكة المكرمة، ما الدور المنوط بالمؤسسات الفقهية القيام به؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى مقدمة مهمة ترتبط بسياقها وهي أن عامة المسلمين بحاجة ماسة لجهودٍ فقهية علمية لتأصيل وبث ونشر فقه عظيم ومهم ألا وهو (فقه الأولويات) بمعنى أن يكون لدى المسلم وعيٌ وإدراك ليعرفَ ما هو الأنسب والأولى في هذا الوقت المعين لفعله وتقديمه وتأخير غيره.. فمثلاً: منْ كان عنده أبوان في حاجةٍ إلى خدماته فلا يجوز أن يقدّم على هذا ذهابه للدعوة أو العمرةِ مثلاً.. ومنْ كان سينفق في سفره للعمرة أموالاً وهو قد اعتمر مرات ومرات فمنْ فقه الأولويات أن يصرفَ هذا المال على محتاجٍ أو منكوبٍ أو مريض لا يجدُ ثمن العلاج.. وهذا لا يكون حتى يعي ويهتم الفقهاء والدعاة أنفسَهم بهذا النوع من الفقه، ويتحدثوا عنه كثيراً ويظهروا أدلته من الكتاب والسنة وممارسات الصحابة وسلف الأمة.
وبناء على ذلك أشير إلى أن ما يحدث الآن في الحرم المكي الشريف من أعمال توسعة تحتاج إلى جانب التوجيه الفقهي والعلمي إلى توجيه أو قرار إداري مبني على حيثيات فقهية وشرعية للنظر في إمكانية إيقاف أو تقليص تأشيرات العمرة والزائرين لهذا العام فقط ولمصلحةٍ ضرورية شرعية.
وأنتم من المعنيين بعلم أصول الفقه، ومقاصد الشريعة، باختصار ما المقاصد التي يهدف إليها الشارع في تشريع عبادة الصوم؟
لا شك أن كل أمرٍ أو نهي جاءت به الشريعة الأصلُ فيه التعليل، ولا يخلو أمره سبحانه أو نهيه من حكمٍ بالغة؛ وهذه الحِكَم قد تظهر وقد تخفى، والصوم له مقاصده الفريدة وأهمها ما نصّ الله عليه في كتابه في قوله (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فجاء التعليل هنا بـ(التقوى)، نعم إن الصيام في هذا الشهر من أسباب حصول هذا المقصد العظيم، فحياة الصائم في رمضان كلها تؤدي للتقوى التي هي حصول الوقاية من كل ما لا يرضي الله تعالى! فنهار الصائم في صومٍ وخشوع وتلاوة وذكرٍ وبعدٍ عن اللغو والفحش، وليله قيامٌ وقرآنٌ، والزمانُ زمانُ محترمٌ مهيب تتصفدُ فيه الشياطين وتُفتح فيه أبواب الجنة والرحمة، هذا الجو الإيماني الذي هيأه لنا هذا الشهر كلهُ يؤدي في النهاية بفضلٍ من الله إلى التقوى.
كذلك من مقاصد هذا الشهر إدخال المسلم في دورةٍ إيمانيةٍ موسمية عالية المستوى والتركيز، تنزعه من كثرة الشواغل التي أشغلته عامة السنة، ليعودَ إلى ربهِ وخالقهِ وينتبه لتقصيره ويرجع لمُصحفهِ وتلاوتهِ ويجدد علاقته بمسجده وصلاته.