جدلٌ كبير أثارته يوميات "بوقتادة وبونبيل"، بعد بث حلقات "مزيان بالزاف"، والتي تحكي قصة "بو قتادة" مع الأندلس، التي ينوي فتحها على خطى طارق بن زياد، مرورا بطنجة، اعتبرها المغاربة تنطوي على "إساءة" و"تشويه" لصورة نسائهم، مما اقتضى اعتذارا من قناة "الوطن"، تبعه اعتذار من وزارة الخارجية الكوتية، ما يعكس حالة "الاحتقان" الكبيرة، التي أفرزتها بضعة رسوم مضحكة!.
الأمر لا يتعلق بالرسوم بحد ذاتها، وإنما بصورة نمطية يجري تكريسها يوما بعد آخر، وتنطبع في أذهان المشارقة والمغاربة على حد سواء. صورة تجعل من الرجل المشرقي فردا شهوانيا، مستهترا، نزقا، متفلتا من كل عقال، لا يقصد الدار البيضاء، إلا من أجل متعته الجنسية.
على المقلب الآخر، تكرس هذه الصورة المرأة المغربية بوصفها "سراقة" الرجال، الجميلة و"الساحرة"، التي تعرف كيف تأتي بهذا المسكين من ضفاف الخليج، إلى شواطئ أكادير، ليقع في المصيدة، بشيء من السحر، والضحكات الماكرة، والكلام المعسول. وكلتا الصورتين تنطويان على تعميم كبير، وتجافيان الواقع، الذي هو فسيفساء متعددة الألوان، فيها مزيج من الخير والشر.
مقتلُ يوميات "بوقتادة وبونبيل"، أنها كرست هذه الصورة، قدمهتا عارية كما هي، دون أن تنقدها، ودون أن تقدم في ثناياها صورة مختلفة، لكي يعي المتلقي أن ما يشاهده ليس هو كل الواقع، وإنما جزء منه. إلا أن الاستسهال في العمل، والرغبة في الفكاهة وحدها، قادا لهذه النتيجة السلبية.
ذات سفرٍ، كان الخمسيني الفرنسي "جل"، المتخذ من "طنجة" سكنا له ـ كان يحدثني والصديق هاني نقشبندي باستغراب، قائلا "إنكما أول عربيين يسكنان لدي". ومرد استغرابه، أننا تصرفنا على عكس "الصورة النمطية" المرتسمة في ذهنه. رددنا عليه بابتسامة ومحبة، وفتحنا كتاب الأحاديث معا عن: محمد شكري، وجان جينيه، وبول بولز، وزنقات "السوق الجواني"، حيث مقر إقامتنا، في بيت عتيق، عمره مئات السنين، فضلناه على الفنادق الفاخرة. بيت كفيل لمن يحتسي فيه كوبا من "الأتاي" أن ترتسم في ذهنه صورة لمغرب آخر، لن تجدها لدى "بو قتادة" ورفاقه، "المجاهدين" منهم و"الماجنين"!.