ركب معي أستاذنا في مادة القرآن الكريم حين انصرافنا من الكلية بعد نهاية الدوام، خجلت منه وأنا ألملم الأشرطة المتناثرة أمامه، فقال" عندك ايه تسمعنا؟".

أدخلت الشريط "أشواق" في المسجل فترقرق صوت ميادة الحناوي بلحن رياض السنباطي "أيها الناعم في دنيا الخيال/ تذكر العهد وماضي الصفحات/ أعَلى بالك ما طاف ببالي/ من ليال وعهود مشرقات".

خففتُ سرعة "الكرسيدا" 80 وأنا أرى الدكتور ذا الجبة والعمامة سارحاً في خياله وصمته حتى أوصلته بيته فطلب نسخة من الشريط، وبعد يومين دخلتُ عليه في فصل "ثالث شريعة" وقدمت له النسخة بكل سرور فتناولها شاكرا.

على جوار تلك الأيام كان بعض زملائي في الفصل ينصرف معي، وقد يطلب أحدهم مني أن أقفل صوت المسجل، لأنه حرام، فأقبل منه وأقفل الصوت وأؤكد له أنني لن أقبل فرض رأيه مرة أخرى.

بعد تخرجي ركب معي أحد الزملاء المعلمين ومدّ يده ليقفل الصوت بنفسه، فمنعته، فساومني إما أن أقفله أو ينزل من السيارة، رفضت أنا وهو نزل ومضى كل إلى غايته.

أن يفرض أحدهم رأيه عليك في سيارتك وبيتك فهو يمارس الإرهاب دون أن يشعر، وأنت تقبله دون أن تنتبه. أما أن يمدّ يده ليقفل صوت المسجل الذي تملكه أنت فهو كمن يمد يده إلى مسدسه ليفرض رأيه. الفكرة الكامنة واحدة هنا وهنا، ينقصها فقط الفرصة والتطور، وهو ما يحدث دائما.

المسألة تبدأ بسيطة مثل رفض الموسيقى، التصوير، ثم تحريمها استنادا إلى فتاوى مشهورة، ثم تجريم من يسمعها ويمارسها (المواطنين)، وتجريم من يسكت عنها (الدولة والعلماء)، ثم الطريق جاهز لتكفير الجميع. والتكفير هو الخطوة الضرورية "الشرعية" لحمل السلاح وقتل الناس.

تقول وزارة التربية والتعليم إنها ستجعل المناهج وسطية، دون أن تبيّن ما هي هذه الوسطية، ودون تغيير شيء في الأسباب الأولى.

إذا كانت الوزارة جادة لتكريس الوسطية فلتبدأ بالأمور البسيطة، وعرض المختلف فيه، ولا تبدأ بعلاقة المحكوم بالحاكم أو حقوق الذمي في بلاد الإسلام.

لقد رأينا بعيوننا أن أوّل ما يفرق بين الفتى وأسرته ليس الحاكم ولا الذمّي، بل التصوير والموسيقى ومشاهدة التلفزيون، مع أنه أيامها لم يكن من تلفزيون سوى "القناة الأولى"!