كنت أتمنى أن يزور الممثلان القديران عبدالله السدحان وناصر القصبي هولندا للتعرف على نظام رمي المخلفات بها.. فنحن لم ننس الحلقة الشهيرة من "طاش ما طاش"، التي تعبر عن واقع المهملات والمخلفات في شوارعنا، حيث يرمي كل جار بالسلة أمام منزل جاره، ولا ضرر في أن يستخدمها بعد أن يبعدها عن بابه.. المهم هو أن تكون القاذورات بعيدة عنه حتى لو كانت منه. وما حدث في نهاية الحلقة من انتحار جماعي لكل سلات المهملات وسقوطها من على سفح جبل.. هذا واقع النفايات وحاوياتها ومشاكل النظافة في بلادي التي لا تعد ولا تحصى، لكن لنستعرض تجربة عاصرتها خلال إقامتي في هولندا.
في هولندا النظام مختلف تماماً.. هناك ثلاثة ألوان لسلات المهملات، ولكل منزل على حسب حجم البيت واحتياجاته.. السلة تكفي لوضع النفايات لمدة أسبوع، فهي من الحجم الكبير. أما الألوان فهي كالتالي: اللون الأسود للمخلفات عامة، واللون الأزرق للأوراق.. يأتي اللون الأخضر وهو من أجل مخلفات النباتات والأوراق.
وأمام كل منزل توجد سلاله الخاصة، بحيث لا يحدث خلاف بين الجيران، وقد كتب على كل سلة عنوان المنزل، حتى لا تختلط الحاويات فيما بينها، ويستطيع كل صاحب سلة تمييز سلته، وفي يوم من أيام الأسبوع، هو يوم محدد يعرفه كل صاحب منزل تمر سيارات تجميع النفايات.. كل سيارة حسب اختصاصها، وهناك مراقبة على عدم رمي مخلفات في غير الصندوق المخصص لها، وإلا فهناك عقوبة غرامة تفرض على المخالفين.. إضافة إلى رسائل ترسل بالبريد لو حدث وتم تغيير اليوم لظروف الإجازات الرسمية والأعياد. إضافة الى حاويات ضخمة في مناطق مختلفة من المدينة أو القرية لأولئك الذين يحبون أن يشاركوا في إعادة تدوير النفايات، وتوجد حاوية للأوراق وثانية للزجاج والأخيرة للبلاستيك.
لكن ما الجديد في هولندا الآن، وهو مثار إعجاب الناس؟ الجديد الآن في هولندا والذي أقرته بلدية كل مدينة وقرية هو حاوية الخبز.
ما هي حاوية الخبز؟
أرسلت مطوية إلى كل منزل كُتب فيها أن العديد من سكان الأحياء يشعرون بالإزعاج من جراء رمي الخبز بطريقة عشوائية للحيوانات، سواء في الشارع أم في الحدائق، وهذا ما قد يجذب الحشرات غير المرغوب فيه، لذا فقد قرروا ـ بعد التفكير في حل هذه المشكلة وبرأيهم كما كتب في المطوية ـ أن النظافة سهلة وإيجاد الحلول أسهل، ورأوا وضع حاوية للخبز، ويكون على كل السكان رمي الخبز القديم في الحاوية، حيث سيتم تحويله إلى سماد يستخدم في تخصيب البلاد.
الحاوية للخبز فقط، ولا يسمح برمي أكياس الخبز، فيجب على السكان وضع الكيس في الحاوية الخاصة بالنفايات، ولم يُترك الموضوع هكذا، بل حُدد الجدول الزمني لذلك، إذ إن هناك سيارة تمر لجمع ما وضع في الحاوية.
أُرسلت المطوية باللغات الرسمية في هولندا، فكتبت بالهولندية واللغة الإنجليزية والتركية واللغة العربية.
ربما كل النظام يجعلني أتساءل عن مثل هذه الخدمات التي تقدم للسكان بكل هذا التنظيم والدقة.. ألا يستطيع القائمون على البلديات في بلادنا القيام بمثلها في أحيائنا السكنية؟ حتى ننعم ببيئة صحية أفضل.
وهل مواردنا المادية تعجز عن إنجاز مثل هذا النظام المتميز؟ وهل عقولنا عاجزة عن إيجاد مثل هذه الحلول؟ من أجل المحافظة على الصحة العامة والنظافة وسلامة البيئة؟ وخاصة أن القائم على نظافة المدن هي شركات خاصة يمتلكها رجال أعمال قادرون على جلب ودراسة أنظمة موجودة في بلاد مختلفة من حولنا، بلاد تشع مدنها بالنظافة والتنظيم.
بعد ما سبق.. أرى أن الإنسان في بلادي يستحق إعادة تنظيم لنظام المخلفات والنفايات من أجل بيئة نظيفة له ولمن حوله.. والقائمون على ذلك قادرون متى ما أرادوا.
في الختام: نطمح إلى نظام جديد من أجل بيئة أجمل.. وصحة أكثر.