نعم هذا ما يعتقده البعض منا؛ أننا نحن -السعوديين- أفضل، ليس فقط من كافة العرب والمسلمين، بل حتى من كافة شعوب الأرض! وأننا نستحق أن نكون دوماً على رأس القائمة، هكذا فقط دون أن تكون لنا أي إضافة حقيقية على المستوى العلمي أو الثقافي أو حتى على أي مستوى آخر!
لكن السؤال المهم هنا: ما الذي يجعلنا نعتقد بمثل هذا الاعتقاد الغريب؟ الذي أضحى متجذراً في وجدان البعض، فهو من يجب أن يُقدم في الصلاة ليؤم المسلمين، فقط لأنه سعودي، حتى لو وجد من هو أحفظ للقرآن وأكثر علماً شرعياً! وهو من يجب أن يكون المدير ورئيس الفريق لأي مهمة، مهما كانت متخصصة أو لا يعرف عنها شيئاً، دون اعتبار للكفاءة العلمية أو حتى الخبرات العملية! للأسف هذه الممارسة "العنصرية" منتشرة بشكل مزعج، وإن كانت ظاهرة للعلن لدى البعض، إلا أنها خافية ومستترة لدى آخرين، مما يجعلنا نعتقد أن هذه الفكرة تجذّرت في العقل الباطن لدينا نحن -السعوديين، ونحتاج الكثير من المصارحة الصادقة حتى نخرج من هذه القوقعة المزعجة.
في اعتقادي يعود السبب الرئيس لهذه الظاهرة إلى أسباب متعددة، أهمها غياب ثقافة المنافسة الشفافة، فحياتنا اليومية ما هي إلا سلسلة متواصلة من الحصول المباشر على الامتيازات، دون بذل أي جهد يذكر، فضلاً عن سيطرة ثقافة "الواسطة" التي نخرت عظام مجتمعنا، حتى بات الجيل القادم من الشباب لا يبذل جهداً في التعليم أو التدريب، لأنه يعرف أنه لن يعمل في أي موقع إلا بعد تحريك "الواسطة"، وأنه سوف يتقدم وظيفياً هناك فقط بسبب هذه "الواسطة" مرة أخرى، فلا غور أن أصبح شبابنا نسخاً متكررة من بعضها، دون أي تميّز أو إبداع، إلا من رحم ربي وصار الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
هذا الشاب الذي فقد الشعور بثقافة العمل؛ تجده أيضاً يُحقن بصورٍ أخرى تبقى في عقله الباطن، وأشهرها أننا أصحاب العقيدة الصافية الناصعة فقط دون سوانا من إخواننا المسلمين، والذين تجاوز عددهم المليار وبضع مئات من الملايين، فنحن أقرب إلى ربنا من غيرنا، ونحن الأطهر والأعلم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل نحن أحفاد الصحابة على حد قول أحدهم، وبالتالي فإنه لا يجوز له أن يقبل أي رأي أو اجتهاد فقهي لأي عالم ومتبحر في الدنيا إذا كان غير سعودي!
أما ثالثة الأثافي -وهي الصفة التي تزداد انتشاراً في المجتمع- يمكن تلخيصها في أن "المال كل شيء"، وأنني كشخص مهما كنت سوف أذل الآخرين بالقليل من مالي، وسوف أفعل ما أريد، كيفما أريد، في الوقت الذي أريد، دون أي اعتبار لأي أحد مهما كان، وما علم صاحبنا أن هناك من يفوقه مالاً فوق ماله وعلماً فوق علمه، وأن هناك أشياء لا تشترى بالمال، وهي بالمناسبة كثيرة وعصيّة الفهم على أصحابنا من ذوي الثروات "الوهمية"، فهو هنا وبثقافة ضحلة وأسلوب اجتماعي وضيع يعتقد أنه سوف يجعل الآخرين يأتمرون بأمره، فقط لأنه يملك من المال ما لا يمتلكون! وللأسف تواترت الكثير من مشاهد الإحراج وعدم الاحترام للآخرين فقط لأن هناك من شبابنا من يعتقد أنه بماله سوف يمتلك الناس ويستعبدهم.
الإشكالية الكبرى هنا؛ هي الوقوع في فخ التناقض الاجتماعي، فالجميع يؤكد لك إيمانه المطلق بتساوي البشر، وأن الله -سبحانه وتعالى- يفضّل بعضهم على بعض بناءً على التقوى، وأنه أمرٌ لا شأن له بالجنسية أو الطبقة الاجتماعية، ولا بقدر ما يملك الإنسان من مالٍ أو لأي عشيرة ينتمي لها، بينما تنظر إلى أفعالهم فتجدها متناقضة مع ما تقوله ألسنتهم، وكأن الحديث فقط لمجرد الاستهلاك الإعلامي وإطلاق الشعارات الفارغة، مما يجعل الكثيرين يبتعدون وهم لا يعلمون عن جوهر الإسلام الحنيف الذي جاء بمفهوم المساواة بين البشر، وهو ما توافق مع تجربة صغيرة قمت بها في حسابي بـ"تويتر"، حيث تساءلت عن أسباب اعتقادنا نحن السعوديين بأننا أفضل من الجميع؟ ورغم تباين استجابة المتابعين للتساؤل إلا أنه وبقدر ما اتفقت الأغلبية على وجود هذه الظاهرة ومدى أهميتها بقدر ما اختلف الجميع على شكل هذه الظاهرة، حيث أشار البعض إلى انتشارها في جيل الشباب فقط، بينما ألقى البعض باللوم على الخطاب الديني الذي يروج لفكرة أننا الأقرب للإسلام من غيرنا خصوصاً في خطب صلاة الجمعة، بينما أتهم آخرون وسائل الإعلام المحلية بدورها في "تأجيج" هذه الظاهرة وتجاهل أثرها السلبي على البناء الاجتماعي للمجتمع، وعلى صورتنا أمام الآخر.
أيها السادة قبل أن نبدأ بتفكيك هذه الظاهرة يجب علينا أولاً أن نعترف أننا جزءٌ بسيط من بني البشر، كما أكدت ذلك بعض الردود "التويترية"، وأن ندرك أن مقياس تقدير البشر يعتمد على ما نقدمه لإخوتنا في البشرية، ومقدار الإرث الذي سوف نتركه للأجيال القادمة، بحيث يكون أثرنا حقيقياً على مستوى الثقافة والعلوم والدين، وليس مجرد "هياط" فارغٍ أو ظواهر صوتية بلا أفعالٍ تؤكدها، دون إغفال الدور الكبير الذي يجب أن تلعبه المؤسستان الدينية والتربوية من غرسٍ مبكر لمفاهيم المساوة، وأن تعيد الوهج المفقود إلى روح المنافسة الغائبة عن شبابنا، بحيث يعتمد الكل على كفاءته وخبرته وإبداعه، وليس على عوامل عائلية أخرى، أما المهمة الأهم فتضطلع بها وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، فهي من يستطيع تسليط الضوء على الظاهرة ومحاربتها، وليكن بوسائل ابتكارية جديدة، كتضمين الرسائل الإعلامية في الدراما المحلية أو ضمن أحاديث نجوم المجتمع، ممن يتابعهم الشباب ويتأثر بهم، ليصبح تقييم الإنسان بناءً على كفاءته وجهده وليس بناءً على جنسيته أو علاقاته الاجتماعية؛ أسلوب حياة وممارسة يومية لدى الجميع، ونحن – بالتأكيد- أولهم.