الإنسان بطبعه يحب التطوير، والتغيير في أغلب الأوقات، ولا يفضل أن يستمر على حال واحد لفترة طويلة من الزمن، ولذا نجد كثيرا من الناس يحاولون أن يعملوا بعض الإجراءات التطويرية في كثير من شؤونهم الخاصة أو العامة، أو في مجال عملهم. والتطلع إلى التطوير أو التغيير شيء طبيعي، ومع ذلك في بعض الأوقات يكون لدى عدد محدود من الأفراد نزعة لمقاومة التطوير أو التغيير في بعض المجالات نتيجة لعدد من العوامل أو الأسباب التي ستتم مناقشتها في ثنايا هذا المقال. وهذه النزعة مخالفة للوضع الطبيعي المتعارف عليه لدى كثير من الشعوب بالرغم من اختلاف ثقافاتها وأهدافها وتوجهاتها. وقد يعود السبب في تلك المقاومة إلى عدم القناعة بمبدأ التطوير وتفضيل البقاء على الوضع الذي تعود عليه لفترة من الزمن. كما قد يعود ذلك إلى تعارض نتائج التطوير أو التغيير مع المصالح الشخصية لبعض الأفراد، خاصة في مجال الأعمال التي يقومون بها، هذا بالإضافة إلى التخوف الذي قد يحدث لديهم نتيجة لما قد يترتب على التطوير من نتائج لا يرغبونها، وإحساسهم بعدم تمكنهم من القيام بعملهم بالأسلوب الذي تعودوا عليه ومارسوه لعدد من السنوات، وتفضل هذه الفئة الاستمرار على النمط المعروف لديهم، والاستمرار على وضعهم دون أي مبرر منطقي، وهؤلاء هم أعداء التطوير والتغيير.

فمقاومة التغيير أو التطوير هي ما يحدث لدى بعض العاملين في القطاع العام أو الخاص عندما يتم التخطيط لتطوير أو تغيير آليات أو استراتيجيات العمل، مثل تغيير إجراءات التقويم والمحاسبة في مجال العمل، أو توظيف التقنية في مجالات العمل المختلفة، أو غير ذلك من الإجراءات التطويرية؛ فبعد تدشين برنامج أو استراتيجيات حديثة في مجال العمل نجد أن هناك فئة تقاوم هذه الخطوات التطويرية من خلال تقديم بعض المبررات غير المنطقية. وهذا يدل على عدم قناعتهم بمبدأ التطوير، ورغبتهم في الاستمرار على النمط الذي تعودوا عليه، أو قد يكون نتيجة تخوفهم من عدم التمكن من المهارات التي ستصاحب هذا التطوير، وقد تظهر أمام الآخرين عجزهم، أو عدم تمكنهم من عملهم في ضوء التطوير على بعض الإجراءات التي يقومون بها. وهنا أرى أن هذا التخوف غير حقيقي، بل هو مفتعل للاستمرار على ما تعودوا عليه، وقد يكون ذلك أيضاً نتيجة أن هذا التطوير قد يكشف بعض التقصير في العمل وإنجازه بالشكل الصحيح، كما قد تكون المقاومة نتيجة أن إنجاز بعض المهام في العمل موكلة لشخص واحد ولا يستطيع أن يقوم بها إلا هذا الفرد، لذا سيقوم التطوير أو التغيير بتوزيع المهام على الآخرين، وهو يريد أن يستمر على هذا الوضع الذي لا يعرفه أحد غيره، وهذا الأسلوب يعد من الأساليب الإدارية غير الناجحة والتي فيها أنانية، وتجعل هذه الفئة من العاملين لا يمكن الاستغناء عنهم بسهولة في مجال العمل، وكأنه "لا يوجد في هذا البلد إلا هذا الولد". ومع أن أعداء التطوير والتغيير محدودو العدد إلا أن لديهم أساليب مختلفة يحاولون من خلالها إقناع القياديين في مجال عملهم بعدم جدوى هذا المشروع التطويري، أو عدم فعاليته من خلال بعض التبريرات المبالغ فيها والتي قد تكون مقنعة للمسؤولين، وتجعلهم يصدقون ما يعرضونه لهم من سلبيات - من وجهة نظرهم- لهذه الخطوات التطويرية، ويهولون ما قد يترتب على هذه الإجراءات التطويرية من تعطيل للعمل، وعدم إنجازه بالشكل المقبول كما يرونه هم. وهنا أرى أنه في مثل هذه الحالات لا بد من وجود صف ثان من الموظفين في المجال نفسه، متمكنين من المهارات نفسها ليكونوا بدلاء لهؤلاء التقليديين، أو الأنانيين في مجال العمل، حيث يفترض ألا يكون لهم مكان في عالم اليوم الذي يتوقع منه أن يكون مواكبا لما هو حديث في مجالات المهن المختلفة.

ومن المعروف أن الإنسان عدو ما يجهل، ولا يرغب أن يتعلم أو يتدرب زيادة عما يعرفه، أو ما هو متمكن منه. وهذه المقولة كانت مقبولة إلى حد كبير في الماضي البعيد، أما في وقتنا الحاضر الذي يشهد تسارعا كبيرا في مختلف المجالات العلمية، والإدارية والفنية، والتقنية، فهناك العديد من الإمكانات التي من خلالها يمكن أن يتدرب الفرد على ما هو جديد ومفيد من خلال الدورات التي يقدمها مختلف الجهات على أي نظام، أو إجراءات حديثة، أو يدرب نفسه من خلال التعلم، أو التدرب الذاتي الذي من خلاله يطور قدراته، وينمي مهارته لمواكبة مستجدات العصر؛ فالتطوير أو التغيير مطلوب، ولا يمكن أن يستمر سير العمل بالطريقة التقليدية التي يؤمن بها هؤلاء؛ لأن ذلك يجعل هذه المؤسسات في هذه الحالة تغرد خارج السرب، وغير مواكبة لنظيراتها في الجهات أو الإدارات الأخرى. وهنا لا بد أن ندرك جميعا أن أهداف التطوير أو التغيير في أي مجال تهدف إلى تحسين إجراءات العمل، وتجويده بالدرجة الأولى.

إن مقاومي التغيير أو التطوير الإيجابي هم في الواقع أعداء النجاح في مجالاتهم التي يعملون بها.