لقد أتتنا الأخبار دراكا في الصحف السيارة بأن المجلس الأعلى للقضاء قد شرع في اختيار خريجين للتو من كليات الشريعة لأخذ دورات تؤهلهم للقضاء المتخصص، كالمحاكم التجارية والعمالية وغيرها، وهو أمر لا شك محمود وحقيق بالثناء، فالقارئ يأنس من هذا عزمات من هم على هامة نظامنا القضائي، لتنفيذ ما أتى به نظام القضاء الجديد، هذا النظام الذي أتى بمشاريع تطبيقها يأتي بحلول لكثير من العيوب التي تعاورت نظامنا القضائي أولئك الذين ظلوا لعهود طوال عثارا يكبو به كل مشروع إصلاح، الأمر الذي جعل يد هذا القضاء مغلولة عن أداء رسالته ودوره المرتجى في تحكيم أحكام الشرع وإرساء قواعد العدالة، لذا فقد عنّ لي وأنا أقرأ هذا الخبر تقديم بعض الاقتراحات، ربما أعانت في إيجاد قضاة متخصصين بأعداد كافية، فأنا على يقين بألا يسوغ أن تقتصر عضوية هذه المحاكم على قضايا حديثي التخرج، من كليات الشريعة، أعطوا دورات سريعة عما سينظرونه من قضايا، فخريجو كليات الشريعة مثلا والذي سيكون هؤلاء القضاة الذين سيدربون منهم، لم يدرسوا قانون الشركات وأحكامه في تلك الكلية، فهم لا يدرون مثلا ما هي الشركة المساهمة وطبيعتها القانونية، وماذا يعني السهم في الشركة، وماهي الشركة ذات المسؤولية المحدودة وماهي شركة التضامن، وماهي الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة للشركة، بل إن بعضهم لا يدرون ماهي الشخصية الاعتبارية للشركة، فقد رأيت قاضيا في محكمة جدة منذ شهرين، ورغم السنين التي خلت عليه في القضاء يصدر قرارا فيه عجب فهو قد تنكب فيه عن الحق وهو ذاهل عنه، إذ انبهم عليه الأمر حول نزاع مثار أمامهم، فانتبذ قرارا قضائيا بالحجز على أموال شركة ذات مسؤولية محدودة، وأموالها في المصارف حذر تهريب حصص مملوكة لشريكين فيها ثار نزاع بينهما حول ملكيتها، فهو قد أدغم بقراره هذا حساب الشركة كشخص اعتباري مستقل مع حصص وأرباح الشريكين، بينما كان يلزمه الحجز فقط على حصص الشريكين، في الشركة وأرباحهما حتى تضع القضية المثارة أوزارها، ولهذا فقد أورث قراره، هذا الوبال عليها وعلى العاملين بها، لأن هذا القاضي بهل حقيقةً تقول قراره هذا قد غل يد المصرف الذي به حساب الشركة عن صرف رواتبهم، فأتوا يتظاهرون في المحكمة، وهو ما أوجد فوضى واضطرابا لا مدعاة لهما، كذلك هو الأمر بالنسبة لقانون العمل الساري الآن، الأمر الذي يجعله عرضة للضلال عن تفسيره وعن تطبيقه التطبيق الصحيح، كما أنهم لا يدرسون أحكام جرائم التزوير والتزييف، والرشوة والمخدرات وماهي أركانها وطبيعتها وشروط ارتكابها وما إلى ذلك من أمور أسهبت فيها شروح التشريعات، جرمت هذه الأفعال حالها حال التشريعات السعودية، فالكثير من قضاة المحاكم الجزئية تتشابه عليهم طبيعة الجرائم، فقد يدغم جريمة النصب والتدليس في التزييف، كما أنه لا يميز بين التزوير والتزييف وما لكل جريمة من طبيعة وشروط وأركان وعقوبة، كل هذا كان حاديا لي إلى تقديم هذه الاقتراحات المتواضعة والتي قد تعين على الإسراع في إنشاء هذه المحاكم وبدء العمل بها، كما يأمل الناس، وها أنذا أسوقها إليكم في آتي السطور:
1- بالنسبة للمحاكم التجارية، يمكن القول إن هناك من القضاة الذين مضت عليهم سنون طوال في الدوائر التجارية بديوان المظالم، ومنهم من درس القانون، بعد تخرجه من كلية الشرعية معهد الإدارة، بل إن بعض هؤلاء لم يقف عمّا تلقاه من معهد الإدارة، فهو قد راح يبحث وبتعمق في دراسته للقانون والقضاء التجاري، الأمر الذي غدا لهم خبرة لا بأس بها، بل إن نفرا منهم قد علا شأنه في هذا القضاء التجاري كالشيخ عبدالوهاب المنصوري، والشيخ فرحان الفيفي والشيخ عبدالله الزهراني، فكل واحد منهم، أمسى حجة في القانون التجاري ويستحق أن يتبوأ بالقضاء باقتدار في المحكمة التجارية الآتية، وما أقوله هنا خلي من أي أرب، فاثنان منهما، حكما، ضدي في قضايا ترافع فيها وهما الشيخ فرحان والشيخ عبدالله الزهراني، ومع هذا فإني أكبر فيهما علمهما ونزاهتهما وهذا جد هام.
وكذلك الأمر بالنسبة للقضايا التجارية التي ستكون تحت ولاية هذه المحاكم فالذين يحكمون كأعضاء في لجان الأوراق لوزارة التجارة غدا لا شك لهم مراس مع الزمن في قضاء الأوراق التجارية والتي ستغدو تحت ولاية المحاكم التجارية، كما أن الغلبة الغالبة منهم، درسوا في كليات الشريعة ودرسوا أيضا في معهد الأنظمة التابع لمعهد الإدارة، أي نطبق عليهم ما يشترطه القانون الجديد للقضاء الذي نص في المادة 31 فقرة (د)، على (أن يكون حاصلا على شهادة إحدى كليات الشريعة أو شهادة أخرى معادلة لها، بشرط أن ينجح في امتحان خاص يعده المجلس الأعلى للقضاء، بل أضيف إلى هذا وأقول إن الضرورات تحتم في هذه المرحلة الأولى لقضائنا المتخصص، الإتيان بقضاة متقاعدين من مصر، أي أنهم أمضوا عهودا طوالا في القضاء التجاري، وذلك كي يكونوا عضدا للقضاة الذين يعينون في هذه المحاكم، على الأقل في السنوات الخمس الأولى، فالذي لا مرية فيه هو أن القضاة السعوديين سيكتسبون منهم خبرة وتجربة يستطيعون بعدها التصدير باقتدار في منازعات التجارة وغيرها.
2- كذلك هو الأمر بالنسبة للمحاكم العمالية ففي اعتقادي أن أولئك الذين يقضون نزاعات العمال في اللجان العمالية بوزارة العمل، غدت لهم خبرة لها شأنها ومن ثم فإن ضمهم إلى القضاة في هذه المحاكم، الذين يتم تدريبهم وإعدادهم كي يتأهلوا للقضاء في هذا الضرب من القضايا سيكون له أثر جد حسن ولا غرو.. فالغلبة الغالبة من الذين يحكمون في هذا الضرب من القضايا تخرجوا من كليات الشريعة ودرسوا الأنظمة من معهد الإدارة كما أن الإتيان بقضاة من مصر يعاونون ويدربون القضاة المعينين في أول عهدهم سيساعد هذه المحاكم، أكثر للبدء في ولايتها، أما قضاؤنا الجنائي فإننا سنبدي اقتراحات حوله في مقال يتبع إن شاء الله.