"لقد كنا جميعا أطفالاً في يوم ما، ونحن نتقاسم جميعاً الرغبة في تحقيق رَفاه -رغد- أطفالنا، ذلك الرفاه الذي لم ينفك أبداً، وسيظل يشكل الطموح الذي تتعلق به البشرية قاطبة أكثر من أي طموح آخر"
تلك الإضاءة الجميلة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي أوصت باحتفاء دول العالم باليوم العالمي للطفل وتم اعتماد يوم 20 نوفمبر من كل عام ليتزامن مع اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية إعلان حقوق الطفل في عام 1959م واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989م المتلخصة في مبادئ أساسية أربعة.. عدم التمييز، تضافر الجهود من أجل مصلحة الطفل القصوى، والحق في الحياة والبقاء والنماء، وحق احترام آرائه.. لتتماهى حقوقه مع الكرامة الإنسانية وتطويره وتنميته.
ومن هذا اليوم ننطلق من طهر أفئدتنا إلى حقٍ قد لا يراه الكثير حقاً أو قد لا يعرف أنه حق؛ فرغم أن تربية الأطفال في زمننا المشحون باللهثة وراء الحياة وتوترها الذي صنعناه نحن بأنفسنا ليس من السهل، لكن في المقابل كذلك ليس من الصعب أن نربي أبناءنا تربية جيدة مهما كانت ظروف "صباحاتنا" التي تبلورت تهرباً منا في رحلة مثيرة تصور الحياة المعاصرة التي تحتاج من الأجيال القادمة تمرساً لمواكبتها والتعايش معها بصفة عامة، فكل جانب في التعايش في حياتنا يتأثر بدرجة ثقتنا وتقديرنا لأنفسنا لأن "الثقة" مصدر سيطرة على السلوك والتفكير والاستقرار والإبداع.. في كل جانب في حياتنا.
مهمة غرس ثقة الأطفال بأنفسهم من أهم مقومات "التربية" وتراه النفس البشرية قبل نظرياتها وأبحاثها كحق مكفول لهم في النماء والبقاء؛ فالأطفال يبدؤون بتكوين صور ذاتية لأنفسهم في سن مبكرة من خلال علاقاتهم بالآخرين، والثقة بالنفس لا تولد معهم، لكنهم يكتسبونها عبر التجارب والخبرات الإيجابية والناجحة، وهنا يأتي دور الوالدين والمعلمين وكل من له علاقة بالتربية في تعزيز هذا النجاح، ومشكلات "أطفالنا" الكبرى تبقى معنا، حيث أراها تبدأ في كيفية بناء الثقة بالدعم والتقدير وتعزيز ذلك عن طريق قبول الطفل كما هو، وليس كما "أنت أو نحن" عليه؛ فالكثير الكثير منا لا يترك طفله يتصرف على سجيته، بينما يبذل المستحيل ليحاول استنساخه وجعله نسخة مصغرة منه، والكثير من الآباء لا يريدون أن يَفهموا أبناءهم بتقبلهم كما "هم" بل يريدونهم أن يتصرفوا كما يتصرفون "هم" وبمثل خبراتهم واستعداداتهم واتجاهاتهم.. ومن هنا فقط يبدأ فصل من فصول حرمان استقلالية الشخصية وتبعاتها.
وهنا، أعيد قصةً للمفكر الأميركي الراحل "ستيفن كوفي" - قائد التنمية القيادية والتركيز وصناعة النجاح في العصر الحديث، ومؤلف الكتب التي حققت أعلى المبيعات عالمياً والمدرب لمئات الآلاف من البشر- وزوجته "ساندرا" ومعاناتهما مع أحد أبنائهما الذي كان يواجه وقتاً عصيباً أكاديمياً واجتماعياً ورياضياً حيث ركزا عليه بالتوجيهات والسلوك تجاهه باتباع أساليب التوجيه العقلي الإيجابي فلم يجدِ ذلك معه شيئاً؟ ولم يستطع "كوفي" تغيير ابنه، حتى توصل للحل مع زوجته بأن يفصلا نفسيهما عن نفسه وأن يستشعرا هويته وشخصيته الذاتية كما هي تماماً، فقررا الاسترخاء والتنحي عنه وإفساح المجال أمام شخصيته في الظهور.. وخلال أشهر بدأت تنمو شخصية ابنهما وثقته وفقاً لمعدله وسرعته الخاصة "هو"!
عباءة ورداء الأبوة الذي مازال البعض متلحفاً به ومعتقداً أنه أساس التربية، ليس إلا "امتدادا" للقمع الذي يعيشه البعض ومفاهيم "تقولبت بحجة" "العيب" وأساطير الهيبة وقوة الشخصية لدى بعض الآباء والتربويين، وخلع تلك العباءة وقبول أطفالنا وأبنائنا كما هم مع توجيههم نحو الصحيح ركيزة أولى لبناء الثقة بالنفس، فكلما أظهرنا تقديرنا لهم بجهودهم وتجاربهم كما هي عليه - حتى لو لم نكن راضين عنها - زادت ثقتهم بأنفسهم وعلموا حتماً أننا راضون وفخورون بهم وبالتالي شعروا بالرضا نحو أنفسهم والآخرين.. ويبقى قول البارئ عز وجل: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".