جهود عملاقة، وذات بعد إستراتيجي، تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين في تعليم شباب الوطن في الداخل والخارج، وفي مجالات مختلفة كانت في الماضي عشوائية في اختيار التخصص، وأصبحت ـ اليوم ـ موجهة في تخصصات حسب احتياجات سوق العمل، مع التركيز على التخصصات العلمية والمهنية، والابتعاث الخارجي من خلال مشروع الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، الذي وصل إلى ما يزيد على 120 ألف طالب خارج المملكة، وهو يعد من أهم القرارات الإستراتيجية لمستقبل التنمية في المملكة العربية السعودية.

ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها وزارة التعليم العالي في اختيار أفضل الجامعات العالمية، ومتابعة الطلبة من خلال الملحقيات الثقافية، إضافة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها الوزارة لربط الخريجين بالشركات العاملة في المملكة من خلال يوم المهنة للخريجين السعوديين من الجامعات الدولية، إلا أنه يبدو أن وزارة التعليم العالي تتحمل بمفردها كامل المسؤوولية التعليمية للتعليم الجامعي، في الوقت الذي تغيب عنها مسؤولية المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، التي توجه جميع جهودها على التدريب بعد الثانوية العامة في معاهدها وكلياتها في المملكة، والتي لم تحقق النجاح المطلوب في الماضي، وأخيرا تعاقدت على إدارتها وتشغيلها مع إحدى الشركات الأوروبية مقابل ميزانية ضخمة خصصت لذلك.

وإن كنت لا أرغب الدخول في تفاصيل عقد الإدارة والتشغيل الألماني لمعاهد وكليات المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، إلا أنني أرى أن هناك بعض الوزارات والمؤسسات العامة تحلق بجهودها في مسار يختلف عن مسار الوزارة الأخرى؛ فوزارة التعليم العالي المسؤولة عن التعليم الجامعي تنتهي مسؤوليتها بتخرج الطالب بالدرجة الجامعية بكالوريوس وماجستير ودكتوراه، وتحاول ربط الخريج بسوق العمل من خلال توجيه الطلبة إلى التخصصات التي يحتاجها سوق العمل.

أما تشغيل أو تدريب الخريجين ليس من مسؤولياتها، وهذا لا خلاف عليه. ولكن ـ لتكتمل المنظومة وتحقق الهدف من التعليم الجامعي ـ أقترح أن يكون هناك تنسيق بين وزارة التعليم العالي ووزارة العمل، على أن يتم عقد اتفاقية مشتركة تربط خريج الجامعات بعد تخرجه، أو قبل حصوله على شهادة التخرج بالتدريب لمدة ستة أشهر في بعض الشركات العالمية في بلد المبتعث والتنسيق بين الملحقيات الثقافية كممثل وزارة التعليم العالي والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وصندوق الموارد البشرية كممثل لوزارة العمل، حيث يكون دور وزارة التعليم العالي للمبتعثين عدم التصديق على شهادة التخرج إلا بعد حصولهم على شهادة التدريب العملي بعد الجامعة من المعاهد المتخصصة التابعة للشركات العالمية أو المستقلة، وبشرط أن يتحمل صندوق الموارد البشرية المسؤولية المالية للتدريب في الخارج، وبعد الجامعة يتحملها ويشرف على البرنامج المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وبهذا نكون قد أجبرنا الخريج على التدريب إذا أراد الحصول على الشهادة الجامعية أو أراد الحصول على وظيفة.

إن التجارب السابقة للتدريب في معاهد وكليات القطاع الخاص في الخارج، كان لها دور كبير في رفع مستوى المتدربين وتأهيلهم للعمل، وإن سياسة التعليم في الخارج والداخل من دون ربطها بالتدريب لن تنجح لتحقق الأهداف، وستظل كل وزارة تحلق في أسراب متفرقة.

اقتراحي يتلخص في ربط المبتعثين في الخارج ببرامج تدريب بعد التخرج كشرط للتصديق على الشهادة واعتمادها، على أن يتحمل صندوق الموارد البشرية الذي لديه آلاف الملايين المجمدة تكلفة التدرب، وبالإمكان عقد اتفاقيات مع الجامعات الأجنبية في دول الابتعاث على برامج تدريب مشتركة مع الشركات والمؤسسات والمصانع المتخصصة؛ كل في اختصاصه.

وأجزم أن التدريب في بلاد الابتعاث أقوى وأكثر تخصصية. وإذا كان التخوف من التكلفة المالية الإضافية للطالب بعد التخرج، فكما أوضحت تحمل هذه التكلفة على صندوق الموارد البشرية، وأعتقد أننا جميعا متفقون على أن الشهادات الجامعية فقط ليست مؤهلا للحصول على الوظيفة، وإنما عندما يضاف لها برامج تدريبية متخصصة تكون مؤهلة للحصول عليها. وعلى سبيل المثال، ليس كل من يحصل على شهادة الدكتوراه من الخارج مؤهلا للتدريس في الجامعات السعودية، بل يحتاج إلى دورات تدريبية في طرق التدريس.

إن فكرة شهادة الامتياز للأطباء بعد انتهاء الدراسة الأكاديمية وقبل ممارسة العمل المهني فكرة متميزة، وبالإمكان تطبيقها على بقية التخصصات.

نعم، ليس كل من يحمل شهادة جامعية مؤهلا للعمل، وبعيدا عن بيروقراطية العمل يجب على وزارة العمل، ممثلة بصندوق تنمية الموارد البشرية تحمل تكلفة تدريب خريجي الجامعات من المبتعثين في برامج تدريبية في بلاد الابتعاث، وأعتقد هذا أحد الحلول السريعة، وإن كانت مكلفة إلا أنها أقل كلفة من التدريب داخل المملكة وأفضل جودة.