التحكيم لدينا قضية القضايا، نستبق الأحداث بالتشكيك، ونجيد التوهم بالمؤامرات التي يجيد أصحابها إيهام الآخرين بها، زاد الأمر سوءا وجود "تويتر" أسهل وأسرع الوسائل التواصلية، الذي حوله شياطين الأسماء الوهمية إلى معارك في كل اتجاه، دون إغفال المفيد كأي وسيلة.
وعلى الرغم من معرفتنا جميعا أن الاتحاد السعودي لكرة القدم "يتيح" للأندية طلب حكام أجانب، مع تقليص العدد هذا الموسم إلى ثلاث مباريات لكل فريق في دوري عبداللطيف جميل، إلا أن الأندية تتذمر من جهة، والحكام ولجنتهم يقيمون الدنيا ولا يقعدوها حين يحضر حكم أجنبي، والإعلام والجمهور يتفننون في التأجيج.
لن أعمم، ولكن الغالبية يقودوننا إلى تخلف في التعاطي مع الأحداث والمناسبات والقرارات والأنظمة بما يفضح تقوقعنا في دائرة ضيقة والعالم حولنا يتلألأ جمالا.
سأبدأ برئيس لجنة الحكام الصديق، عمر المهنا، الذي رغم نجاحه في إقناع مجلس إدارة اتحاد القدم بتقليص عدد الحكام الأجانب، إلا أنه يعبر دائما عن غضبه وعدم اقتناعه بوجود الحكم الأجنبي، إلى درجة عدم متابعة بعض المباريات التي يديرها حكام أجانب، يسايره في نفس التوجه بالتذمر والغضب، الحكام ولا سيما الدوليون في أحاديث إعلامية، بينما هم يذهبون لدول عربية لتحكيم مباريات مهمة وأحيانا نهائية، وهنا أقول لهم: "هل تحرّمون على غيركم ما تحلونه لكم"؟!
وبما أنني من أنصار الحكم السعودي وأصنف بأنني أجامله، فإن رسالتي هنا واضحة بأن تبادل الخبرات وذهاب بعض حكامنا لدول أخرى واستقطاب حكام أجانب، يحدث في كل الدول دون حساسية، بل يعدّ من دواعي التطوير واكتساب الخبرة، لكننا نختلف عن المتطورين بحساسيتنا الزائدة، وبما يوسع دائرة الخلل في بيئتنا الرياضية، ولذا آمل أن يكون حكامنا واللجنة الموقرة أكثر أريحية، وأن يحرصوا على اكتساب الإيجابيات وتفادي السلبيات، وأتمنى أن أسمع المهنا وكبار الحكام دون تأفف ولا قلق من هذا الإجراء المعمول به في الدول المتقدمة.
أما الجانب الإعلامي والجماهيري، فالأكثرية "ضد" الحكم السعودي يحاكمونه بالميول وترصد أقل الأخطاء تأثيرا حتى في الرمية الجانبية، والأسوأ شتمه ومطاردته بأقذع الأوصاف وأخطر التهم في مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولا يبالي الكثير من الإعلاميين في إطلاق عبارات التحقير والتشكيك، وبالتالي تكون ردة الفعل لدى الحكم الاحتقان، والعيش مهموما بين محبيه وذويه.
وبالنسبة لأغلب رؤساء الأندية، فإنه وقبل فرض غرامة "الثلاثمئة ألف ريال"، كانوا يتبارون في مطاردة الحكام بالتشكيك والتخوين، ورصد المخالفات الصغيرة وتكبيرها، بهدف تبرير الفشل وكسب حب ورضا الجماهير، وأحيانا للظهور إعلاميا بالتجرؤ على الحكم الذي دائما ما يكون كبش فداء، لكن هذه الأساليب تضاءلت كثيرا مع فرض الغرامات، تعود بين فترة وأخرى.
ولتأكيد ما ذهبت إليه سلفا، فإن الأخبار التي تواترت اليومين الماضيين عن استقطاب الحكم الأوزبكي الناجح "رافشان"، بناء على طلب نادي الهلال، واختيار اتحاد القدم لقيادة الديربي المنتظر بين الهلال والنصر بعد غد الاثنين، أعادتنا لدوامة المؤامرات من عدة جهات، والتضجر من لدن لجنة الحكام، والترحيب والتهليل من إعلاميين، وتباين الآراء بين الجماهير الذين دخلوا لعبة المؤامرات والإشاعات.
ربما أجمل ما في الحكم الأجنبي، اختفاء تصريحات التشكيك والاتهامات والبذاءات التي يُرمى بها الحكم السعودي..!
وأخيرا أقول، إن مباريات حساسة و"ديربيات" أدارها حكام سعوديون في العامين الأخيرين ولم يرتكبوا أخطاء فادحة، لكنهم هذا الموسم أصبح الغالبية منهم مضطربين..!