ما أجمل أن يكون قلبك مخضلاً ومورقاً كزهر اللوز، ومواسم القرى الخضراء ودفء الدعاء في ليلة القدر، لترش الماء على يباب الأرواح المظلمة، ومراقد الطيور السوداء وذؤابات الشجر الضرير، ولتحمل في داخلك عبير الحياة المشمس وسلال الغيم المسافر قبل أن ينطفئ السراج، ما أجمل أن تضيء مصباح المودة والرحمة في نفسك، ليرتعش في داخلك قلب الأرض وهو يصغي إلى ضحكات الطفولة الرغيدة، ولتغتسل عروق صدرك بالطيبة والمساءات المقمرة وقنينة العطر المندلقة ملء خلايا جسدك، لتفوح كالعشبة الطرية وتغسل دروب الشوك وصلف المقت والخيلاء، قبل أن ينطفئ السراج .

ما أعذب أن تفيض حياتك بالوفاء الحميم في أزمنة الغبار وشهقات اليأس وغرغرة الوجوه المعتمة وهشيم الغرور الأحمق، لتمنح الآخرين خبز الحياة وأقداح الندى ورذاذ الماء المنسكب فوق حوانيت الصحراء ولهيبها، قبل أن ينطفئ السراج. ما أجمل أن تستفيق من عثرتك وتتخلص من أغلالك وتغادر جرحك، وتكنس زبد انكساراتك وتدرك أن في الحياة متسعاً من الوقت لكي تتشبث بالأمل الهاجع على أطراف القلب، وللفرح النابت في شغاف الجسد، وللحلم المرصع بالدفء الربيعي فلا تتردد في قطف تلك اللحظات العجلى قبل أن ينطفئ السراج. ما أسعد قبل أن تصطك عظامك كالحطب اليابس وتتحول كالمنضدة الخشبية في زوايا الدار أن تعمرها بالحب والبهجة، لتقاسم من حولك متعة حضورك الوارف وفجيعة غيابك الباهظ، وليذكرك الآخرون مهما غبت وراء سياج العصور، ومهما جفت الشجرة الوحيدة في فناء البيت، فستبقى كالفجر المنبثق من خلف الأبواب حتى لو انطفأ السراج. ما أروع أن تبقى فناراً تطفو أضواؤه فوق مياه الحياة، لكي تدل السالكين الساكنين في جوف العواصف المضطربة وردهات الظلمة القاسية، لتومض لهم كلؤلؤة الليل وتنقذهم من جلاد الخوف الأعمى، ومن أصابع الهلاك الدامي ولتتحول إلى "سدرة" متوجة في الأعالي قبل أن ينطفئ السراج. ما أزهى أن تحمل في ذوب مشاعرك مصابيح التسامح، والذي لا يقدر عليه إلا واسع القلب عظيم النفس، حين يسمو فوق سقطات الآخرين وعبثهم وضيق عقولهم، وحضيض خصالهم وأنساقهم القيمية الرديئة، والتي حولتهم إلى مجامر من كره وضغينة وخرائب تتسربل بأوراق اللبلاب المتسلق والزاحف والسام، ولكنك تركن للعفو وتمضي كحزمة ضوء حاملاً نبع النور وطهر السريرة وجوهر الإرادة لتكون لك المشكاة والعكاز عندما ينطفئ السراج.

ما أجمل نقدك لذاتك حين تقسو عليها كالنصل الحاد، وتلوذ بداخلها كدمعة المطر الناعم، وتجوس في حجراتها كقطيع الأثير باحثاً عن الندوب والحراب الدامية، وأعشاش الحقد ومزالق الخطوات فتصرمها قبل أن ينطفئ السراج.