يعد الاتحاد السوفيتي تاريخياًّ أول دولة غير عربية تعترف بقيام المملكة العربية السعودية عام 1926؛ مما أسفر عن ذلك نشوء علاقة دبلوماسية بافتتاح القنصلية السوفيتية في جدة التي تحولت إلى سفارة بعد ذلك بأربعة أعوام.
وتعد الزيارة التي قام بها الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - عام 1932 حين كان وزيراً للخارجية المحطة التاريخية الأولى في هذه العلاقة، إلا أن التاريخ يخبرنا بأن العلاقات الثنائية مرت بفترة انقطاع طويلة استمرت أكثر من خمسين عاماً؛ لأسباب سياسية وأيديولوجية واقتصادية، ولم تعد هذه العلاقة سوى بعد عام 1990 بعد الاتصالات الثنائية بين الرياض وموسكو وتوحيد الموقف خلال حرب الخليج الثانية، والاتفاق على إعادة العلاقة بين البلدين.
وبعد تفكك منظومة الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب (الأميركية - السوفيتية) في أفغانستان، عادت العلاقات تدريجياًّ بين المملكة العربية السعودية وجمهورية روسيا الاتحادية لكنها لم تصل لمرحلة الدفء بسبب إفرازات الحروب والصراعات التي حصلت في منطقة القوقاز، وتبعات "الإرهاب" الذي عانت منه السعودية وروسيا على حد سواء، إلى أن توجت العلاقة بالمحطة التاريخية الثانية المتمثلة بالزيارة التي قام بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز لموسكو عام 2003، والمحطة التاريخية الثالثة هي تلك المتمثلة بزيارة الرئيس فلاديمير بوتين للرياض عام 2007.
العلاقات الروسية السعودية تعيش اليوم مرور 23 عاماً على استئنافها، ويمكن القول إن أسباب استمرار الخلاف التي نشأت بين البلدين منذ أكثر من ثمانين عاماً لم تعد قائمة اليوم، بل إن العقبة الوحيدة أمام تطور هذه العلاقة الثنائية إلى "شراكة استراتيجية" هي الأزمة السورية من جهة والسلاح النووي الإيراني من جهة أخرى.
تريد روسيا رعاية مصالحها الاستراتيجية من خلال الحفاظ على العلاقة التاريخية مع النظام السوري، ومما يجعل روسيا تدافع بقوة عن وجود النظام القائم في سورية أن الأرض السورية موطئ القدم الوحيد لروسيا اليوم خارج حدود الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، كما أن روسيا لأسباب سياسية واقتصادية تحافظ على علاقتها بإيران.
إلا أن الواقع المتسارع للأحداث في الشرق الأوسط اليوم، جعل روسيا تعود بقوة إليه مرة أخرى، ولكن هذه المرة من خلال البوابة المصرية، والتي اتفقت الرؤية السعودية الروسية على تأييد ما حدث في مصر بعد الثورة الثانية في 30 يونيو، وكرست هذا التوافق مبادرة الرئيس الروسي بوتين مؤخراً بالاتصال بخادم الحرمين الشريفين قبيل توجه وزيري الدفاع والخارجية إلى مصر لإبرام اتفاقات وصفقات سلاح.
إنها فرصة أمام الروس اليوم لتوطيد علاقاتهم بالمنطقة العربية في ظل تردد الحليف الأميركي عن الوفاء بالتزاماته في ظل إدارة مترددة للرئيس أوباما، على الرغم من بقاء الولايات المتحدة كحليف استراتيجي للسعودية ومصر تحكمه ظروف تعامل هذه الإدارة التي تكاد تدير ظهرها للمنطقة تاركة فراغاً لا يملؤه إلا الدب الروسي.
والمتابع للنشاط الروسي الحثيث في المنطقة يفهم محاولات روسيا الحفاظ على حلفائها القدامى ومحاولتها في الوقت نفسه كسب حلفاء جدد، حتى وإن استدعى الأمر محاولة لعب دور على مستوى القضية الفلسطينية باقتراح مبادرات جديدة، ولكن يبدو لي أن هذا أمر صعب من دون حدوث مرونة في الاستراتيجية الروسية تجاه ما يحدث في سورية؛ لأن المكاسب الآنية من وقوف الروس إلى جانب النظام السوري ربما تكون خسائر على المدى البعيد، فالنظام السوري لم يعد قادراً على حماية نفسه، ولم تعد له القابلية للاستمرار، وبالتالي هو لن يصمد إلى الأبد في هذه الأزمة الكبيرة والمتشابكة.
كما يبدو أن المستقبل الروسي في تطور العلاقات إلى شراكة استراتيجية عربية لن يتم دون التركيز على المصالح الشاملة المتمثلة بالمجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية، خاصة وأن المجال العلمي في تقنيات الفضاء والنانو وغيرهما من جهة، ومن جهة أخرى التواصل الاستراتيجي الثقافي الذي ما زالت روسيا بعيدة عنه، بل إنه يعتبر عقبة أمامها للانطلاق، وإذا ما تحررت من قيوده فثمة فرصة لديها - روسيا - للاستفادة من تغير حجم التكتلات والتحالفات العالمية التي نعيشها اليوم، والبحث عن العمق الاستراتيجي، فالعمق السياسي هو أضعف السبل في العلاقات بين الشعوب إذا لم يدعّم بعلاقات اقتصادية وعملية وثقافية ممتدة.