-1-

يتساءل بعض الناس في الشارع العربي؟

- ما الخلاف ـ يا ترى ـ بين الجيش المصري و"جماعة الإخوان المسلمين"، وأدى إلى ثورة 30 يونيو/2013 عليهم وخلعهم، ليس فقط من عرش مصر، وتدميرهم، وهدم ما بنوه طيلة أكثر من 80 عاما، ولكن خلعهم من العالم العربي والإسلامي، وهدم ما بنوه كذلك طيلة سنوات طويلة من الكفاح، والصبر، والتضحيات؟

- هل لأن "جماعة الإخوان المسلمين" فشلت خلال أكثر من سنة، من توليها حكم مصر في حل مشاكل مصر المتراكمة عليها، منذ عشرات السنين؟

- هل لأن "جماعة الإخوان المسلمين" حاولت "أخونة" مصر الليبرالية التي شربت من ينابيع محمد عبده، وطه حسين، وحسن الزيات، ومحمد حسين هيكل، وعلي عبدالرازق، ونجيب محفوظ، وغيرهم؟

- هل لأن "الجيش المصري" يهوى الحكم ويهوى السياسة، ويعلم ما فعله السعي الى الحكم وممارسة السياسة، في ضابط كـ (عبدالناصر) وارتقائه من ضابط إلى زعيم قومي وتاريخي، ليس لمصر وحدها، ولكن لمعظم العرب، وما زال؟

- هل لأن "الجيش المصري" يريد أن يقول للشعب المصري، إنه ليس درعا يقف على الحدود المصرية ضد كل اعتداء خارجي، ولكنه أيضا درع لحماية مصر من الشعوذة والتخبط والإكراه السياسي؟

ولعل كل هذه الأسئلة ـ في رأيي ـ واردة عند التفكير في معاني الخلاف بين "الجيش المصري" و"الإخوان".

-2-

يقول لنا التاريخ المصري: إن هناك علاقة ما، كانت بين الجيش المصري و"جماعة الإخوان المسلمين". وكانت نقطة البداية عام 1938، إذ كان حسن البنا يتحدث عن السلام في الوحدات العسكرية المصرية، كما كانت "دروس الثلاثاء" في دار "المركز العام"

لـ"جماعة الإخوان المسلمين" ملتقى أسبوعيا لمن يرغب من ضباط الجيش وجنوده.

وفي عام 1940 توطدت العلاقة بين حسن البنا والرئيس السادات. فاتفق السادات مع الفريق الثائر عزيز المصري، على تكوين تنظيم سري بين ضباط القوات المسلحة، على أن يكون مرتبطاً بـ"جماعة الإخوان المسلمين". وبالفعل تم ذلك. وكان من أعضائه جمال عبدالناصر، وعبد اللطيف البغدادي، وخالد محيي الدين، وأحمد حمروش، وعبدالمنعم عبدالرؤوف.

-3-

وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 أرادت "جماعة الإخوان المسلمين"، أن تكون الوصية عليها، إلا أن عبدالناصر ورفاقه رفضوا هذه الوصاية، وبناء عليه حدثت محاولة اغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في عام 1954، وتم إعدام الزعيم الديني سيد قطب، وبعض رفاقه، بعد محاكمة عسكرية.

ومن المعروف أنه، عندما أصبح السادات رئيسا للجمهورية استعان بالإخوان المسلمين للإجهاز على الناصريين، واليساريين، والشيوعيين. وبعد أن أتموا المهمة، طالبوه بإقامة دولة الإسلام فرفض، وعندئذ اغتالوه.

ومع تعيين مبارك رئيسا للجمهورية بحكم الدستور دخل في توتر مع "جماعة الإخوان المسلمين"، بحكم أن "الإخوان"، يريدون حكم مصر كما يريدون، ويعتقدون، ويخططون، فاعتقلهم.

-4-

ويقول الفيلسوف المصري المعاصر مراد وهبة، أنه تأسيسا على ذلك كله، يمكن القول بأن العلاقة بين الجيش والإخوان هي علاقة بالسلب. ومع ذلك فالسؤال اللازم إثارته:

ما السبب الخفي وراء هذه العلاقة؟

ويعتقد مراد وهبة، أن السبب كامن في رؤية كل منهما إلى الحرب.

فالحرب، عند الجيش المصري، دفاعية.

أما عند الإخوان المسلمين فهي عدوانية.

فمهمة الجيش المصري ردع العدوان الآتي من الخارج، وإذا لم يأتِ فمهمته تكون محصورة في مزيد من التدريب لحسم الردع إذا حدث.

أما "جماعة الإخوان المسلمين"، في مصر، فهم جزء من تنظيم دولي، الغاية منه التمكن من كوكب الأرض. وهذه "الدعوة" لن تتحقق إلا إذا كان الجيش في حالة حرب دائمة بمذاق عدواني.

-5-

يقول الفيلسوف اليوناني هرقليطس في القرن الخامس قبل الميلاد:

"أنت لا تنزل النهر مرتين".

ومغزى هذه العبارة، أن النهر في حالة تغير دائم. وبالتالي، فإنك في كل مرة تنزل النهر تكون حالة النهر مغايرة لحالته السابقة. وبالمثل يمكن القول، إن الجيش لا ينزل إلى الشارع مرتين، بذريعة أن الشارع مغاير لذاته.

والمغايرة ـ كما يفسرها وهبة ـ مختلفة هنا.

ففي الماضي والحاضر، كان التناغم قائما بين الجيش والشباب، ومن هنا، تكون عبارة رئيس الأركان صدقي صبحي:

إن الجيش ينحاز إلى الشعب. فإن تطلب الأمر نزوله، فسينزل في ثانية واحدة.

ومغزى هذه العبارة أن الجيش هو الشعب متناغما.

وهكذا كان في حاضر مصر الآن.