بغداد تنفي وأوساط سياسية تحذر من مخاطر الانجرار وراء الإرادة الإيرانية



لافتات التعزية المنتشرة في بعض أحياء العاصمة العراقية بغداد المعروفة بأنها ذات أغلبية شيعية، وإقامة مراسم العزاء فيها على عراقيين قتلوا في سورية، تثبت - وبحسب أوساط سياسية - مشاركة مجاميع مسلحة في القتال مع جيش النظام السوري، على الرغم من نفي جهات رسمية ذلك.

ففي حي البياع بجانب الكرخ من العاصمة علقت لافتة نعي كتب فيها: "مطشر كاطع العيساوي الذي قتل في دمشق أوائل مايو الماضي، أثناء الدفاع عن مرقد السيدة زينب في ريف دمشق".. وفي مناطق بغداد الجديدة، والنعيرية ومدينة الصدر ومناطق الشرطة، توجد لافتات أخرى مماثلة.

الموالون لإيران

وما يصدر من تصريحات من بعض المسؤولين، ومنهم من يتزعم حركة سياسية توصف بأنها موالية لايران، يؤكد المشاركة للدفاع عن المراقد الشيعية في سورية، حسبما أعلن وزير النقل العراقي رئيس "منظمة بدر"، هادي العامري، أن آلاف الشيعة في العراق وخارجه سيحملون السلاح في وجه من وصفهم بوحوش تنظيم "القاعدة" في سورية في حال تعرض الشيعة أو أضرحتهم لهجوم جديد. وبرر التدخل بالقول: "تريدون أن نظل جالسين؟.. الشيعة يعتدى عليهم ونحن نظل جالسين؟ وأنتم تساعدوهم بالمال والسلاح، وأميركا تساعد المقاتلين السنة بالمال والسلاح؟"..

وهذا التصريح يشير بشكل واضح إلى استعداد عراقيين شيعة للمشاركة في الصراع الدائر منذ أكثر من عامين بين النظام السوري والمعارضة.

رفض شعبي

وأثارت تصريحات العامري ردود فعل متباينة بين مؤيد لمشاركة العراقيين في حماية المراقد الدينية الشيعية في سورية، ورافض لجر العراقيين إلى القتال الدائر هناك. فالقيادي في ائتلاف دولة القانون معين الكاظمي أكد أن مشاركة العراقيين في القتال الدائر في سورية تعبير عن تعاطف الشعب العراقي مع ما يجري في سورية من استهداف لمقدسات المسلمين، على حد تعبيره.. لكن القيادي في كتلة العراقية النائب حامد المطلك، عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، يرى أن تصريحات العامري من شأنها تصعيد الاحتراب الطائفي في العراق والمنطقة برمتها. أما ردود الأفعال الشعبية فعبر عنها برفض العراقيين إرسال الشباب إلى سورية، والاستفادة من الشباب العاطلين عن العمل في بناء البلد. ويرى المحلل السياسي والأكاديمي سعد الحديثي أن التدخل العراقي في الشأن السوري سيمنع البلاد من الخروج من أحكام الفصل السابع في وقت تسعى فيه بغداد لتحسين علاقاتها مع دول الجوار.

معسكر تدريب

وكانت مصادر مطلعة كشفت عن إقامة معسكر تدريبي في صحراء محافظة كربلاء وسط العراق لاستقبال متطوعين للقتال في سورية، وزجهم في دورات تدريبية بإشراف فيلق القدس الإيراني، تمهيداً لإرسالهم إلى المدن السورية.

ويعد رجل الدين الشيعي قاسم الطائي صاحب فكرة تأسيس ما يعرف بلواء العباس للدفاع عن المراقد الدينية في سورية، حسبما ذكر الإعلامي محمود المفرجي المقرب من الطائي، بقوله إن "الفقيه الطائي دعا أتباعه ومنذ اندلاع القتال في سورية، إلى التوجه هناك لغرض حماية مرقد السيدة زينب وغيره، ولبى دعوته الكثير من الشباب، وبذلك يعد الطائي أول رجل دين عراقي طرح فكرة الدفاع عن المراقد الشيعية في سورية".

مآتم أسبوعية

وفي الوقت الذي لم تتوفر فيه بيانات دقيقة عن أعداد القتلى العراقيين في سورية، يتم وبشكل أسبوعي إجراء مراسم تشييع شباب قتلوا في سورية، تشارك فيها أحزاب وقوى عراقية، ومنها كتائب حزب الله في العراق.

المفكر الإسلامي أحمد القبانجي الذي سبق أن تعرض للاعتقال في إيران في شهر فبراير الماضي قال لـ "الوطن" إن إيران تحاول الحفاظ على مصالحها في المنطقة بالترويج لفكرة وجود عدو يهدد الشيعة ويستهدف عقائدهم، الأمر الذي أنتج صراعا طائفيا تشهده المنطقة على خلفية الأحداث في سورية من أجل الحفاظ على المصالح"، موضحا أن تردد الحكومة العراقية في إعلان موقف واضح تجاه الأحداث في سورية "شجع بعض القوى على إرسال متطوعين للقتال إلى جانب النظام ضد المعارضة". وأعرب القبانجي عن اعتقاده بأن "الصراع الطائفي في العراق لن يأخذ مديات واسعة، ولن تتكرر أحداث الحرب الطائفية التي حدثت بين سنتي 2006-2007" ، ويعزو ذلك إلى "وجود عقلاء ومحايدين ومثقفين لمنع حدوث ذلك وتكرار تجربة السنوات الماضية".

ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي لطالما أبدى قلقه من تداعيات الأحداث في سورية، نافيا في الوقت نفسه علمه بإرسال مقاتلين عراقيين للقتال إلى جانب النظام، لكنه يرى أن "العراق سيزج في صراعات المنطقة رغماً عنه".

تصعيد طائفي

وقال القيادي في الائتلاف، خالد الأسدي، إن "العراق غير معني بأي صراع تريد دول المنطقة خوضه مع سورية، إلا إذا كان ذلك يؤثر على أمنه القومي ومصالحه الوطنية"، مضيفا أن هناك "محاولة للتصعيد الطائفي في المنطقة، والجميع سيتضرر من الخطابات الطائفية وفتاوى التكفير والقتل وارتفاع صوت التشدد والتطرف الديني. وبخصوص إرسال مقاتلين إلى سورية لا علم للائتلاف وكذلك الحكومة بهذا الأمر". وكان وزير الخارجية هوشيار زيباري قد أعلن في مؤتمر صحفي مع نظيره الكويتي في وقت سابق الموقف نفسه الذي يتبناه دولة القانون.

الواقع على الأرض يشير إلى خلاف ما يعلنه المسؤولون، والتقارير الأميركية هي الأخرى أشارت إلى وجود مقاتلين عراقيين في سورية، تم إرسالهم إلى هناك استجابة لرغبة إيرانية نفذتها قوى محلية موالية لطهران. وسفارة واشنطن في بغداد قللت من أهمية إجراءات الحكومة العراقية بخصوص تفتيش الطائرات الإيرانية المتوجهة إلى سورية عبر الأجواء العراقية.

ميليشيات إيران

أما قائمة "متحدون" بزعامة رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي، فحملت الميليشيات الشيعية العراقية والإيرانية مسؤولية اندلاع الصراع في سورية. وقال القيادي في القائمة النائب عن القائمة العراقية أحمد المساري"الميليشيات الشيعية العراقية، فضلاً عن إيران وحزب الله، هي التي بدأت الصراع الطائفي في سورية وستجلبه إلى العراق"، مبيناً أن "دخول هذه الأطراف إلى سورية هو الذي حول الصراع إلى طائفي، ليبدو وكأن القوة الشيعية في سورية تقاتل نظيرتها السنية، وهذا ما نرفضه". وأشار إلى وجود ميليشيات عراقية "تقاتل في القصير والسيدة زينب ومناطق سورية أخرى بعلم الحكومة العراقية"، محذرا من انعكاس تداعيات هذا التوجه على الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد. ودعا الحكومة إلى رفض "التدخل في سورية ومنع الميليشيات العراقية من القتال هناك، لأن الصراع الطائفي إذا ما انتقل إلى العراق سيكون أكثر ضراوة من باقي الدول".

دعوة للحياد

عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب عن التحالف الكردستاني، آلا طالباني، أعربت عن قلقها من تأثير التدخل العراقي في الشأن السوري على علاقاته مع بعض دول الجوار. وقالت "ليس من مصلحة العراق التدخل في الشأن السوري، لأن ذلك ينعكس سلبا على علاقاته مع دول الجوار وخاصة العربية، ولا سيما أنه ترأس الدورة السابقة لمؤتمر القمة، وما يجري من أحداث على الصعيد الإقليمي يتطلب النظر بجدية لتحقيق اتفاق على موقف موحد تجاه الملف السوري مع المجتمع الدولي، للحفاظ على علاقات بغداد مع دول مؤثرة في المنطقة أعلنت اصطفافها مع الشعب السوري وتحقيق إرادته في إقامة نظام ديموقراطي"، مشددة على تبني الموقف المحايد والابتعاد عن الانجرار وراء طرف خارجي ليس من مصلحته أن تقيم بغداد علاقة طيبة مع عواصم عربية.

ضعف الحكومة

والجديد في مشاركة عراقيين في الصراع الدائر في سورية هو تحول مجالس العزاء لهؤلاء القتلى إلى منابر لتحريض الشباب على الذهاب إلى المدن السورية، في وقت يرى فيه المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي أن بغداد عاجزة عن ضبط حدودها لمنعهم من الوصول إلى سورية، ويقول: "الحكومة العراقية اليوم هي أكثر الحكومات العربية ضعفا في السيطرة على مواطنيها وعلى المنافذ الحدودية، ولذلك شارك عراقيون شيعة في القتال ضمن خط تنظيمي إلى جانب حزب الله اللبناني".

وفيما يستمر القتال في سورية يستقبل العراق جثامين قتلاه، على شكل دفعات تصل أسبوعيا إلى المنافذ الحدودية بين البلدين لتسلم بعد ذلك لذويهم، فتقام مجالس الفاتحة وتعلق لافتات النعي، فيما تصر الجهات الرسمية على نفي وجود مقاتلين عراقيين في سورية.