أبها.. لا تمطر في نوفمبر، لأنها ودعت هذه الطقوس منذ ثلاثين سنة، وفي حساباتي فإن مدينتي ومعها جبالي لم تعد تعترف بـ"الوسمي" تبعا لتحالف مصطلحين من مخترعات العقد والزمن: التغيير المناخي، مع توزيع التنمية.
وفي.. أبها... لا أكاد أتذكر آخر مرة صليت فيها الفجر على تراتيل آيات الله، ومن ثم فضله الواسع العظيم في تراتيل سحابة.
قررت فجر أمس مع هذه الأجواء المثيرة أن أكون كلا مما يلي: قررت أن أكون سعادة مدير عام التعليم لأعلق دراسة أطفالي قبل أن يصدر القرار الرسمي. قررت أيضا أن أكون "مسؤولا عن المنسك الشعبية" كي أخرج في جولة ميدانية قبل الشروق لأصور المنظر الوحيد؛ كيف تنزل سحابة من فضاءات الله صافية زرقاء الماء، ثم تتحول على الأرض إلى عجوز رمادية ترابية على هذه الشوارع المهترئة.
قررت أن أكون أيضا ذلك المقاول الهمام الذي ترك أمام منزلي حفرة هائلة منذ شهرين، وكأنه قرأ الجملة الأولى من مقالي: أبها.. لا تمطر في نوفمبر.
قررت أيضا أن أكون عامل شركة النظافة، وأيضا "حاوية البلدية" حين جمعت بين يدي "قمائم" جيران من شارعي المهجور، لأن السحابة لن تسمح لي بمبادرتي إلى أن أشعل فيها النار، حين تحول شارعي إلى محرقة..
وهنا سأرتفع بكم إلى صورة علوية فوقية. من "غثاثة" شارعي وحارتي إلى الصورة الوطنية المكتملة في أنشودة المطر: تخيلوا لو أن أصحاب المعالي وأصحاب السعادة وكل الإخوة الحضور في هذا الاحتفاء الوطني الشامل بأسبوع المطر قد قرؤوا عدالة توزيع السحابة..
هذا المطر لم يكن مجرد أسبوع من الخير الإلهي. هو أسبوع من التوحيد والوحدة. لم تترك هذه السحب مترا ولا شبرا من وطني لم تزره، ولم تقلد هذه السحب أصحاب المعالي والسعادة في الانتقاء والاختيار.
حتى أبها.. خالفت طقوسها الثابتة منذ ثلاثين سنة، وأمطرت... في نوفمبر.