غادرنا أكتوبر هذا العام بعد الكثير من الأحداث المؤلمة.. والأخبار المؤسفة.. وأخذ معه كثيراً من الأحياء إلى مصير البشرية جميعاً.. إلى حيث نسير جميعنا.. أخذهم منا الموت..

هذا العام.. كان أكتوبر قاتماً.. وحزيناً، وأسود.

حين غيب الموت الكثير، الكثير ممن نحب، جاءت دموعنا تعبر عما نشعر به من الألم والحسرة على تلك القلوب النقية التى غادرتنا بلا رجعة.. أخذت معها حبنا.. وكثيراً من مشاعرنا. وكأننا نتساءل: الدور القادم على من؟

في بداية الشهر أخذ الموت الصديقة الجميلة والرقيقة، والمبتسمة دائماً "التربوية الفاضلة نعيمة الورثان" وهي التى كانت تشرق كل صباح على زميلاتها وطالباتها بالابتسامات والعبارات العذبة.. وبجمالها الروحي الذي عاصرت قليلاً منه وإن كانت ذاكرتي لا تفارق الكثير منه.. وما خطبة إمام مسجدهم إلا دليل على سيرتها العطرة، لقد كانت محبوبة لكل من عرفها.. وما هي أيام إلا وأفجع بوفاة حبيبتي موضي المحمد الوابل ابنة العم الغالية.. خيمة ظللتنا حين كانت الشمس حارة وحنت حين قست الحياة.. ووصلت حين قطع بنا أقرب الأقرباء. تلك المرأة العظيمة التى لم يكن لجميل خلقها إلا محبة البعيد قبل القريب، ولكرمها ما فاضت به على الكل.. تركت أبناء وبنات هم من خيرة ما تركته للوطن.. وحسرات زوجها المحب لها بل وحسرات كل من عرفها.. كانت صديقة لكل من هم حولها.. وختم الشهر أيامه بأن خطف الموت الدكتور الفاضل الذي أثنى عليه القاصي والداني الدكتور سلطان باهبري وهو من خيرة من خدم الوطن، فكانت أعماله وإنجازاته ما فاق سنواته التى عاشها في هذه الحياة. لقد كان يعمل ليلاً ونهاراً إبداعاً وتميزاً وعملاً يشار له بالبنان.. وفي آخر أيامه تفرغ للعمل الخيري التطوعي.. زوج صديقةٍ هي ابنة لعائلة عزيزة على قلبي السيدة الفاضلة زين القاضي، وهي رفيقة دربه التى أعانته على كل الخير الذي قام به. وقد وافاته المنية في مدينة لندن، لكنه ترك عائلة خلفه هي من جميل صنعه الذي يقوم به في كل مكان يحط فكره وجهده به، فكانوا من خير من عرفت. قبل موته بأيام كتب آخر تغريداته حين قال:

(حينما يفقد الزوجان أحدهما يكتشف الفاقد -فجأة – أن الكون مخلوق على قاعدة.. أن كل شيء مخلوق من زوجين).. وكأنما كان يشعر بدنو أجله.. شمل الله جميع موتى المسلمين بالرحمة والمغفرة.

شهر أكتوبر الذي ننتظره كل عام كان كمن يجعل مستقبليه بهجة بالشتاء.. هذا العام استقبلناه وودعناه بحرارة دموعنا وحسرتنا على من غادرنا، لكن دموعنا لن تدفئ شتاء من فقدوا أحبتهم بل تزيد البرودة صقيع الأيام القادمة.

يقول عدي بن الرعلاء

ليس من مات واستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش كئيباً كاسفاً باله قليل الرجــاء

وإن كنت أتفق مع الشاعر بما جاء في بيت شعره لكن يظل الموت هو الموت، والناس على اختلاف جنسياتهم وهوياتهم، على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وعلى اختلاف توجهاتهم يتفقون على أن الموت هو ذاك المهيب حين يحضر.. ولا يستطيع أحد إيقافه عن الحضور.

متى وكيف يأتي الموت؟

لكن الجواب لا يأتي حتى ولو بعد حين.. الموت الذي لا يفرق بين صغير أو كبير.. سيد أو عبد.. ملك أو خادم.. وزير أو سفير.. غفير أو أمير..

ويتفق الجميع على أنه القادر على تفريق الجماعات.. مبعد الأفراح وهادم اللذات، الموت ذلك الذي لم يجد ولن يجد له أطباء العالم أي الحلول. إنه السنة الإلهية التى تفصلنا عن الحياة.. تلك التى نحبها رغم أنها تشقينا.. نخافه.. نهابه.. ونريد له ألف دواء عله يغادرنا.. الموت هذه السنة الإلهية التى يجب أن نعد لها العدة ونستعد لها حين لا ينفع مال ولا بنون.

قال تعالى: (كلُ نفس ذائقة الموت وإما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).

في الختام: اللهم أحسن خاتمتنا.