قهرت الظلام، وتحدت الإعاقة، كان من أروع كتاباتها "واقع الأنثى المعاق في العالم العربي" ونشرت في عدة مواقع.. إنها الأكاديمية الدكتورة سحر المعنى، التي تقوم برصد درجات طالباتها في جامعة نجران من خلال اللمس بلوحة المفاتيح بالكمبيوتر. ورغم فقد الدكتورة سحر المعنى للبصر إلا أنها تعد من الكفاءات المتميزة في مجال البلاغة والنقد، وقد انضمت للعمل في جامعة نجران في عام 1431 كأستاذ مشارك في تخصص البلاغة والنقد بكلية الآداب.

"الوطن" زارت الأكاديمية المميزة في منزلها بحي الأملاح؛ لتتعرف أكثر عن المزيد من تفاصيل قصة نجاحها التي لا يملك كل من يعرفها سوى أن يحترمها ويكبرها.

في البداية قالت إنها فقدت نعمة البصر وأصيبت بالعمى منذ أن كان عمرها خمس سنوات؛ بسبب الحمى الشوكية، اعتبر أهلي سكان القرية البسطاء أن هذه الإصابة نهاية الفرحة بالنسبة لهم، كنت أحارب نظرة المجتمع، ولا أحب أن أعامل وكأني شخص مختلف، حتى أثناء العقاب سواء بالبيت أو المدرسة، كانوا يستثنونني من العقاب لأني كفيفة، وكان لهذا التصرف وقع غير جيد في نفسيتي. والدي كان رجلا بسيطا، وأخذ على عاتقة مساندتي والوقوف معي إلى جانب تأثره بشخصية الأديب الكبير طه حسين.

وتؤكد الدكتورة سحر أن فقد البصر له وقع صعب في النفس، وهنا يأتي دور الأسرة والمجتمع في مساعدة الكفيف على تجاوز محنته. طوال دراستي كان والدي يقرأ لي وأنا أحفظ، ولكن الصعوبة كانت عندما فارقت أهلي، وانتقلت إلى جامعة الأزهر، فكنت مرة أستعين بالزملاء والزميلات بالدراسة، ومرة أخرى بالجيران وأحيانا لا أجد من يقرأ لي، ومن هنا جاءتني فكرة أن أستأجر من يقرأ لي، ست ساعات باليوم، وخصصت نصف راتبي من أجل أن أضمن دراستي وأحقق ما أسعى له وهو التدريس في الجامعة. ومرت سنوات الدراسة وتخرجت بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وحضرت رسالة الماجستير بعنوان "آيات الآباء والأبناء في القرآن الكريم"، ثم رسالة الدكتوراه بعنوان "المال بين البخل والإسراف"، وأكملت: شكل تعلمي للكمبيوتر عن طريق ربطه بالناطق السمعي فارق كبير في وقتي وجهدي، وسهل لي تدوين المحاضرات وإعادتها وأحيانا تسميعها فأصبح الكمبيوتر مع الوقت الصديق الذي لا يمل من مجالستي.

وأضافت أن لها ثلاثة أطفال تعرفهم من خلال صوتهم، وتميزهم من خلال النفس واللمس، أما زوجها فهو من يرعاها ويرعى أطفالها الثلاثة بعد الله، وهو العون لها بعد الله، مشيرة إلى أن طالباتها بالكلية يحبونها حبا شديدا من خلال تعاملها معهن، ومعرفتها بكل واحدة منهن.

وأضافت: نشرت مؤلفاتي في جريدة عقيدتي الإسلامية، ولي كتابان "أفنان البيان" و"جنى البديع" نشرا بدار نشر الزهراء السعودية بالقصيم، وذلك إلى جانب سبعة أبحاث منها: "أسرار التعبير القرآني"، و"تأملات بلاغية".

وامتد نجاح الدكتورة سحر إلى المستوى العالمي لتحصل على شهادة أفضل شخصية مؤثرة من هيئة الأمم المتحدة في عام 1999.

أما زوجها المهندس فتحي عبدالله الوهيبي فقال: ارتباطي بسحر قوي، فهي العون لي بعد الله في التغلب على مصاعب الحياة، وهي ارتباطها بأسرتها قوي وعاطفي، وتسعى لإسعادها بكل ما تملك حتى إنها تعلمت صناعة التريكو "الملابس الصوف" وأتقنتها بكل براعة من أجل أولادها.

وكما كان للدكتورة سحر بصمتها في العمل الأكاديمي، كان لها دور فعال أيضا في الجانب الاجتماعي، من خلال مشاركتها في الأعمال التطوعية والخيرية، وأصبحت مضربا للمثل في تحدي الإعاقة، وأصبح لها صدى واسع في المنطقة بشهادة زميلاتها اللاتي تعاملن معها.

وتقول عنها زميلتها في العمل رئيسة قسم الأدب والنقد بالكلية الدكتورة عفاف عبد المنعم، بداخلها طموح كبير كنا نراه رغم مصاعب الحياة، وإصرارها على عدم الفشل، فهي متميزة في عملها، ومن أكثر الشخصيات التي اعتمدت عليها بعمل الجودة لدينا بالقسم إلى جانب مهاراتها الأكاديمية، وإتقانها فن التعامل مع طالباتها. كما لا تتوانى في مساعدة زميلاتها في إعداد المحاضرات والنشاطات الأكاديمية. أما عن تعامل طالباتها معها فتقول الطالبة منال القحطاني: محاضراتها من أمتع المحاضرات، فهي مبدعة في الإلقاء وتوصيل المعلومة بأسلوب بسيط ومتقن. أما الطالبة نور محمد اليامي فتقول: يمتلكني شعور غريب كلما قابلتها، فلو وضعت مكانها لا أعتقد أنني سأكون بنفس قوتها وإصرارها، ففقدان البصر شيء صعب وتخطيه أصعب، وكثيرا ما كانت تواجهها نوع من الصعوبات في المحاضرات، خاصة في التعامل مع الطالبات من حيث الغياب أوغيره.