كتبت في مقالتي الأسبوع الماضي، محذراً من فداحة خطأ انجرار المواطنين وأفراد المجتمع إلى نقطة العنف والصدام، وهي التي سعى إليها آلاف من العمال الإثيوبيين المخالفين في حي منفوحة بالرياض قبل أيام قليلة، لأنه ببساطة ليس لديهم ما يخسرونه، وقد أسعدني أن أراهم يفشلون في تنفيذ خطتهم فشلاً ذريعاً بعد أقل من أربعٍ وعشرين ساعة فقط من بدء تخريبهم في الشوارع، والحمد لله، حتى وهم يصطفون مهرولين في طوابير شبه عسكرية مرددين الهتافات التعبوية المعادية والمستفزة، ولأن تلك التصرفات الغوغائية ليست في ثقافة المجتمع السعودي المطمئن بطبيعته، ما يشير إلى أن المواطن قد فطن سريعاً إلى الشرك المنصوب للإيقاع به، وهذا محل تقدير بالغ، وأكدت على وجوب ترك الأمر للجهات الأمنية المختصة للتعامل مع أفعالهم الهمجية، كونها الجهة المسؤولة المدربة والخبيرة في مثل هكذا ظروف، وهو ما قامت به الجهات الأمنية بذكاء وبشكل رائع عبرت عنه عملياً وتطبيقياً نال إعجاب المتابعين ولا يزال، إذ كان التعامل محترفاً وبارعاً جداً في ترويضه همجية المخالفين الإثيوبيين، وامتصاصه لأمواج غضبهم حتى بات بعضهم يطلب أخذ الصور التذكارية مع أفراد الأمن، في دلالةٍ على مستوى التأهيل العالي الذي يتمتع به رجال قوات الأمن السعودية، مفوتين الفرصة على المتربصين بأمن هذا البلد واستقراره، وهذا ليس بمستغرب في ظل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، والجهود النوعية الجبارة التي يبذلها صاحب السمو الملكي وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، حفظه الله.

وكتبت معاتباً بعض من تسرعوا ووقعوا في فخ تصوير ونشر مقاطع الميديا (الفيديوية) التي التقطوها على مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، وقلت إن ذلك لا يخدم ولا يساعد على حفظ الأمن وصورة الدولة والشعب السعودي، لأن هناك من سيقوم بمنتجتها بالشكل الذي يخدم مصالحه، وهي المقاطع التي استغلتها لاحقاً أبواق إعلامية إثيوبية مختلفة، وقدمته للعالم بالشكل الذي يظهرهم في موقف المُعتدى عليه بوحشية، واصفين في بعض مقاطع الميديا (الممنتجة) مع التعليق بطريقة رخيصة ما زعموا أنهم يتعرضون له بـ"الجحيم على الأرض" والمجازر والتعذيب، لكسب التعاطف العالمي وتشويه صورة المملكة، مجتمعاً وإنساناً، ومحاولة طمس أصل ملابسات ما حدث على أرض الواقع بتلفيق بائس ومخجل، وهو ما لم يكن عين الحقيقة وجوهرها، وهو ما حذرت منه حرفياً في مقالتي السابقة "تصحيح التصحيح"، إذ هب كثير من المغردين الإثيوبيين النشطاء، للتغريد في "هاشتاق" على "تويتر" بعنوان #SomeoneTellSaudiArabia، حيث لم يتركوا طريقة لتشويه سمعة المملكة العربية السعودية ومواطنيها إلا واستخدموها، ولا وصفاً قبيحاً إلا ووصمونا به! كما قامت القنوات الإيرانية والمحسوبة عليها بتخصيص ساعات من البث لترويج تلك المقاطع والمزاعم، ناهيك عن وسائل التواصل والاتصال الأخرى، فيما لم يكن، وبالمقابل حضرت مواجهة متحضرة لدحض ذلك التضليل وكشفه من خلال وسم مضاد، غرد فيه كثير من الشرفاء حمل عنوان #SomeoneTellEthiopia، من خلاله نشرت مقاطع الميديا التي (غير الممنتجة)، لتفضح الأكاذيب والادعاءات التي روجوا لها بضراوة، وعلقتُ مذكراً بضرورة الحفاظ على رباطة الجأش وتجنب الدخول في أية مراهنات، منطلقاً من مسؤوليتي الأدبية وواجبي الأخلاقي تجاه الوطن والمجتمع الذي يجمعنا، ومحاولاً توضيح الزاوية التي قد تغيب عن أعين بعضهم بشكل ما، ومؤكداً بأننا جميعاً لن نسمح بأن يفكر أحد في زعزعة الأمن الذي ننعم به في كل تفاصيل حياتنا، ونحن شركاء فيه.

وقد علق بعض القراء على موقع الصحيفة وصفحتي الشخصية بـ"الفيسبوك" بطريقة مفرحة تدل على التماهي مع الرأي الذي أوردته، ليتضح لي أن هناك من يشاركني الرأي وزاوية رؤية المشهد، وبالمقابل توقعت أن هناك من سيتعارض رأيه مع بعض أو مجمل ما كتبت، وهو أمر طبيعي في عرف مبدأ الرأي والرأي الآخر، وتفاعل حيوي محمود جداً يساعد الجميع على فهم واستيعاب المشهد بتحضر، ويضمن الوصول إلى الغاية المشتركة المتمثلة في الحرص على سلامة وأمن الوطن واستقراره، فاللوحة يقرأها كُلٌّ من زاويته ومجموعها يمثل الرؤية المتكاملة لأسرار اللوحة، وعلى قدر اختلافنا في وجهات النظر أحياناً، إلا أن أهدافنا واحدة ونبيلة تعبر عن حرصنا على أمن ورفعة هذا الوطن الكبير ومن على ترابه الطيب. صحيفة الوطن بشجاعة ومهنية كبيرتين تستحقان التقدير أتاحت للرأي الآخر أيضاً أن يحضر، ويا له من شرف لنا جميعاً أن نتحدث ونتشارك في بناء وتقدم هذا الوطن، ولو بالرأي على الأقل، فالأوطان والوطنية والأمن ليست محل رهان أو مزايدة، لأنها حجر الزاوية الرئيسي. حمى الله تعالى البلاد والعباد.