ماذا تريد: النفوذ، القوة، السيطرة، الثروة، المتعة بلا ثمن، وعلم بلا نهاية؟ هم لك.. تريد أن تشتري حجرا بشرا مواقف وعبرا.. تريد من يكذب عنك، يتجسس لك، يحتال.. يسرق.. يقتل من أجلك؟ يا سيدي كله ممكن مقابل ثمن، وخزائن المال لا ولن تنتهي، وما عليك سوى أن توقع على وثيقة كتبت بأحرف من دمك تهب نفسك للشيطان!.
لقد قرأت كثيرا من الأساطير والقصص الأدبية والمسرحيات، مما يشير إلى بشر عاديين باعوا أرواحهم للشيطان؛ من أجل أن يمنحهم قوة خارقة، وحظا ثاقبا لا يقوى أحد أن يقف في طريقهم، وكلها لم تكن بالنسبة لي سوى قصص وروايات من توابع "كان ياما كان"، ولكن.. اليوم وأنا أتابع شخصيات محورية من تاريخنا المعاصر، أجد نفسي أقاوم بشدة شكي بأنهم لربما قاموا على القيام بمثل هكذا صفقات!.
شخصيات قد تبدو مسالمة ومحبة للإنسانية، شديدة التعاطف مع القضايا الإنسانية، لديها موهبة إبداعية في مجال الفنون، قد تكون موسيقى، شعرا، أو أدبا، تقوم على البناء والتطوير، شديدة الذكاء متمكنة لدرجة الإبداع واستغلال الفرص للتقدم السريع على سلم النفوذ والشهرة، ولكن في لحظة مفصلية ما تجد تغيرا.. لا تستطيع أن تضع إصبعك عليه وتحدده، ولكن يجعل الشعر يقف على أسفل عنقك من مشاعر الخوف التي تهاجمك كلما قابلك الاسم أو الصورة أو التصريحات، والأهم من كل ذلك الأفعال! والمفجع حقا أن الكثير يرونها قدوة، بل يصفونها بالعصامية، التي وقفت بوجه كل التحديات إلى أن انتصرت، قد تكون قد داست في طريقها على مستقبل كثر، قد تكون قد غيرت من مبادئها حسب تغير التيار، قد تكون تنازلت عن الكثير من أخلاقياتها، ولكن كل ذلك كان في سبيل هدف سامٍ ونبيل... حماية المجموعات التي تمثلها أمام ما حددته هي ـ أي الشخصية ـ على أنه الخطر الأكبر... فكذبت وزورت وتعدت على حقوق الكثير، لكنهم لا ينتمون بالنسبة لها لمجموعة "نحن" بل مجموعات "هم"، ومتى دخلت "نحن" على "هم" تسلقت الأولى على مصالح الثانية لدرجات قد تصل للتعذيب والقتل! لتسيل الدماء طالما هي ليست دماءنا، لتدمر المدن طالما هي ليست مدننا، لتحرق الآثار ولتدمر أمجادا طالما هي ليست تاريخنا أو أرضنا أو عرضنا...! وتنتصر وتعلو وتستقر ثم تنتصر لتعلو وتستقر من جديد... ويستمر الصعود إلى الهاوية إلى أن، ولسبب ما ينتهي حظها أو يسقط قناعها، أو قد يكون ربما انتهت فترة عقدها...!
من يبيع روحه للشيطان.. للشر.. للهمجية ـ سمه ما شئت ـ ولكنه يظل عقدا يبرمه صاحب الطموح الجامح، ممن أعماه بريق الشهرة والمال والنفوذ، لدرجة أنه انتزع إيمانه بربه ولوث روحه، واتجه إلى كيان شرير، سواء أكان بداخله أم من خارجه، لمساعدته على الوصول إلى القمة ولو على شقاء الغير، مصائر الغير، بل ربما على تلال من جماجم الغير! وتحديدهم لا يحتاج إلى مهارات اختراع الذرة أو بناء صاروخ أو حتى مصنع صغير، كل ما علينا هو دراسة النتائج المدمرة في كل مكان في أنحاء هذه الأرض... شركات عملاقة تعيش على شقاء بشر في دول فقيرة، أموال تتجمع في أيدي القلة والمجاعات تجتاح العالم، أبراج تهد، وطرقات تغرق، وبيوت تدمر، وحسابات في البنوك العالمية تزداد وتكبر، سجون تعذيب تبنى في كل مكان، لا تُلاحظ ولا تُسجل، ولا إلى الرأي العام تظهر، ما هو ليس على أراضينا فهو بالتأكيد لا يندرج تحت قوانين أو دستور البلاد.. ثم يظهرون على كل شاشات العالم، يذرفون دموع التماسيح على انتهاكات حقوق العباد في هذه أو تلك البلاد.. ثم يبررون تدخلاتهم بأنها ليست سوى اهتمام من قبلهم بمصالح البشرية، من خلال نشر المحبة والسلام والديموقراطية!
قصص بيع الروح للشيطان؛ حقيقة... خيال... أسطورة؟ لم يعد الأمر ذا أهمية؛ لأنهم مهما علا شأنهم ومهما عاشوا في غفلة، سيأتي حساب المنتقم الجبار.. قد يكون اليوم وقد يكون غدا وقد يكون يوم الحساب، المهم أن ثقتنا برب العباد الذي يمهل ولا يهمل، لن يخذلنا، بل إن ما نشاهده من سقوط الأقنعة عن الكثير منهم ليس سوى البداية، ومصائر البقية المشينة والمزرية ليس ببعيد، فهو بإذن واحد أحد فرد صمد، آت.. آت.. آت، ومن كان يحلم بالغار فليعد النظر وليتابع إلى أي طريق سيأخذه، وفي أي مكان سيلقي به تاريخ البشر!