إن أبسط مفهوم يمكن وصفه للرقابة الداخلية في المستشفيات، هو تساؤل المواطن عندما يلاحظ وجود أي قصور في الخدمات الصحية "أين الرقابة؟" فأول ما يتبادر إلى ذهنه "كيف سمحت إدارة المستشفى بوجود هذا التقصير؟ وكيف ستتعامل معه؟ هل ستحاسب المقصرين؟ وهل سوف تتكرر مثل هذه المخالفات مستقبلاً أم لا؟
فالرقابة الداخلية بمفهومها البسيط تعني الرقابة داخل المستشفى، وبعبارة أخرى المستشفى يراقب نفسه بنفسه، وبالتالي هي من المسؤوليات الأساسية لإدارة المستشفى لضمان تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية للناس، الذين يتوقعون من الإدارة وجود سيطرة وتحكم داخل المستشفى يضمنان لهم خدمات صحية أفضل.
طبعاً هنا لا أقصد الرقابة الشخصية على الكادر الصحي وتصيّد أخطائهم، فهذا النوع من الرقابة مرفوض، وإنما المقصود هو الرقابة على الأنظمة والآليات التي تضمن قيام الموظفين بمهامهم ومسؤولياتهم على أكمل وجه، وهذا النوع للأسف يكاد يكون غائباً في كثير من المستشفيات الحكومية.
فهناك ضعف واضح في أنظمة الرقابة الداخلية على الخدمات الصحية المقدمة للناس بشكل عام، وسبب هذا الضعف يعود إلى وجود إشكالية في كفاءة الإشراف على هذه الأنظمة من قبل إدارات هذه المستشفيات أولاً، ومديريات الشؤون الصحية ثانياً، ووزارة الصحة أخيراً.
وعندما نتحدث عن أنظمة الرقابة الداخلية، فإن المقصود بذلك المكونات الخمس لها (البيئة الرقابية، تقييم المخاطر، الأنشطة الرقابية، الاتصال والمعلومات، مراقبة الأداء)، ونظام الرقابة الداخلي ينطبق على المستشفى ككل وكوحدة واحدة، ثم ينقسم هذا النظام إلى أنظمة فرعية على أقسام المستشفى، مثل نظام الرقابة الداخلية على أقسام الصيدلية والأشعة والمختبر والعيادات الخارجية والطوارئ والعناية المركزة والأقسام العلاجية الأخرى.
فإذا أخذنا المستشفى ككل، نجد أنه يتكون من مجلس إدارة يترأسه مدير المستشفى، وترتبط بالمجلس لجان رئيسة مثل لجنة الصيدلية والأدوية ولجنة مكافحة العدوى، ولجنة المراجعة الإكلينيكية والسجلات الطبية، وغيرها من اللجان الأخرى.
ووجود مجلس الإدارة واللجان المنبثقة عنه يمثل إحدى لبنات البيئة الرقابية، المكون الأول لنظام الرقابة الداخلي، والمجلس يلعب دوراً مهماً وحيوياً في ضمان وجود رقابة داخلية فعالة، كما أن لهذه اللجان دورا مهما في مجال الإشراف على كفاءة الخدمات الطبية.
فعلى سبيل المثال يهدف برنامج "المراجعة الإكلينيكية" إلى تحسين ورفع مستوى العناية المقدمة للمريض وذلك بمقارنة الممارسة والنتائج بالمعايير المحلية والعالمية، ويتضمن البرنامج مؤشرات أداء للمستشفيات، ومن مهام لجنة المراجعة الإكلينيكية تحليل ودراسة ومراجعة هذه المؤشرات، وتحديد أي انحرافات ومعرفة أسبابها ووضع الحلول المناسبة لها، وقد نجد العديد من المستشفيات لا توجد بها هذه اللجنة أو أنها غير مفعلة، أو أنها لا تعمل كما يجب.
ونقيس على ما سبق باقي اللجان الإشرافية الأخرى التي ربما لا تجتمع إلا نادراً ولا تقوم بما هو مطلوب منها، ويتم التركيز من قبل مدير المستشفى على شكليات الاجتماعات فقط!
أما إدارة المراجعة الداخلية في المستشفى فهي مجرّد تحصيل حاصل كباقي الإدارات الأخرى مثل إدارة المخاطر وإدارة الأسرة وإدارة مكافحة العدوى، التي ربما تم وضعها تحقيقاً لمتطلبات معايير اعتماد المنشآت الصحية (سباهي).
أما فيما يتعلق بمكون الأنشطة الرقابية، فنجد أن لكل قسم طبي بالمستشفى سياسات وإجراءات تعكس المعايير المهنية والطبية، تتضمن إجراءات رقابية تهدف إلى رفع مستوى الأداء والتقليل من مخاطر المهنة، إلا أنها ربما وضعت لمتطلبات (سباهي) فقط، ولا نجد لها تطبيقاً على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال نجد في قسم الصيدلية سياسات خاصة تتعلق بمتابعة جودة الدواء واستعمالاته، وكذلك سياسات لتخزين وصرف الأدوية، ومع ذلك قد نجد استخداما مفرطا للمضادات الحيوية، وأدوية سيئة، وصرف بدون وصفات طبية، وإدارة المستشفى قد لا تعلم بمثل هذه الأمور، أو أنها قد تعلم ولكن لا تتحرك نحو معالجتها حتى تستطيع هي تجاوز هذه السياسات فيما بعد.
أما بخصوص مكوّن (الاتصال والمعلومات)، فإما أن يكون هناك ضعف وسوء تنسيق بين الأقسام الطبية، أو لا توجد تقارير لكل قسم، وإن وجدت فربما تضمنت بيانات غير صحيحة، كما قد لا توجد آليات واضحة أو قنوات اتصال للتبليغ عن أمور غير مشروعة تكون محل شك، أو قنوات بخصوص اقتراحات الموظفين لأجل التحسين والتطوير.
نأتي للمكوّن الأخير من نظام الرقابة الداخلي والخاص (بمراقبة الأداء)، وهو يتمثل في وجود رقابة دورية ومستمرة، تتمثل في أنشطة إدارية وإشرافية منتظمة تسهم في تقدير جودة أداء نظام الرقابة الداخلية، وكما ذكرت آنفاً فإن غالبية إدارات المراجعة الداخلية في المستشفيات مجرّد تشكيل إداري ضمن الهيكل التنظيمي؛ وبالتالي فإن أنشطة هذه الإدارات غير فاعلة، بالإضافة إلى عدم فاعلية اللجان الرئيسة.
ناقشنا فيما سبق نظام الرقابة الداخلي على مستوى المستشفى ككل، ونفس مكونات النظام تنطبق أيضاً على كل قسم من أقسام المستشفى، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرقابة الداخلية تتعلق بالأمور المالية والإدارية معاً، وتم التطرق إلى الأمور الإدارية في هذه المقالة بسبب إهمال هذا النوع من الرقابة في بيئة العمل الحكومي وفي القطاع الصحي بالتحديد.
ربما تراهن وزارة الصحة في تفعيل أنظمة الرقابة والإشراف في المستشفيات على تطبيق معايير اعتماد المنشآت الصحية، ومن خلال تطبيق البرامج الصحية الأخرى، ولكن هذا في رأيي غير كاف ولا يفي بالمطلوب، فما زالت أنظمة الرقابة الداخلية في كثير من المستشفيات ضعيفة، وليس هذا فحسب، وإنما في مديريات الشؤون الصحية أيضاً، وربما في وزارة الصحة نفسها، ويقول المثل "فاقد الشيء لا يعطيه"، وفي النهاية أقول للمسؤولين في الوزارة وفي المديريات وفي المستشفيات: من يضمن لكم مصداقية التقارير التي ترفع لكم في كل يوم وشهر وسنة؟