ليس غريبا أن الأوروبيين استندوا إلى مؤلفات ابن رشد في المقام الأول وابن سينا ثانيا، في محاولتهم لعقلنة الخطاب الديني للكنيسة إبان عصر النهضة، مثلما ليس بمستغرب أن النظام الإسلامي التعليمي قام بإقصاء كل من الرجلين باعتبارهما علمانيين، غاضا الطرف عن نتاجهما الفكري الذي كان نواة مهمة في الحضارة الغربية، ووصمة جهل لدينا حين أنكرهما مجتمعنا الإسلامي.

من المستغرب أن أهمل العرب هذا التراث الفكري، وهم أولى به وبحاجه له أكثر من غيرهم. والأكثر غرابة هو أن يستمر هذا التجاهل مصحوبا بوجهات نظر متعددة تقول، إن ابن رشد كان مهرطقا وزنديقا وضالا، وقد وصل الأمر إلى تكفيره، ومنع أبناء المسلمين من دراسة كتبه والتعرف على فكره.

لست ممن يحب البكائيات أو التشبث بالماضي ـ تراثا كان أم تاريخا ـ لكن الحالة العالقة وسط المسيرة الحضارية تدعو لهذا طالما هي تنظر للعلمانية على أنها دين يجب محاربته.

حالة الحرب النفسية المعاصرة التي ندور في دائرتها، تجعل العاقل يتوقف إما لرفضها وإنكارها، أو لمغادرة هذه الدائرة. الإنسان يمكنه أن يكون متدينا وعلمانيا في الوقت نفسه، مثلما يمكنه أن يكون مسلما وفي الوقت نفسه يستعين في معاشه اليومي بأشكال ومخرجات العلماني الغربي كافة. كما أنه ليس كل علماني ضد الدين، ومع هذا نحاربه وندعي أننا أمة لا تحارب أحدا. هكذا كان الحال مع ابن رشد وابن سينا وغيرهم. ندعي أننا نحارب النصارى والمرتدين والليبراليين واليهود والخوارج والكافرين والملحدين والعلمانيين وعباد الأصنام والسافرات وغير المنقبات والشيوعيين وأنصار الفكر الغربي الماسونيين فقط.

حين نقول إن العلمانية هي الحل، فنحن نقصد أنها حل للصراعات الدينية والطائفية في منطقتنا، ووقف للهدر في الطاقات ووقت البشر الذي يضيع نتيجة المشاحنات والنزاعات الدينية.

من المحزن أننا ما زلنا عالقين في مناقشة قضايا تجاوزها العالم المتقدّم منذ قرون، بل إننا ما زلنا نعيش في حالة فوات حضاري مزر بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. يكفي أن نلقي نظرة سريعة وخاطفة على نتاج الغرب العلمي؛ كي نعرف أننا نعيش في الحضيض.

نعم، لا يكفينا أن نتأمل في الواقع؛ كي يتأكد لنا وبقوة أن ما نعيشه مختلف تاريخيا عما يدعيه من عدّوا العلمانية دينا. ولهذا لحقت بنا الكثير من العثرات التاريخية رغما عنا، ومنها الشمولية التي لحقتنا على مختلف الأصعدة الفكرية الثقافية السياسية الاقتصادية الإنسانية.

السؤال الذي ما برح يطرح نفسه، ما الحل؟ سؤال ملح و لا شك أن كل إجابة ستفتح آفاقا للأسئلة الكبرى التي تتعلق بمصير أمة بأكملها.