يجب أن ننظر لما حدث خلال الأسبوعين الماضيين في حي منفوحة بالرياض من قبل عمالة إثيوبية غير نظامية بنظرة أكثر موضوعية وعمقا، ولنبتعد قليلا عن أخذ الأمور بعنصرية أو شعارات تستخدم كحجج لإسكات المنتقدين، وذلك بهدف الاستفادة من الأخطاء والتأكد بأننا مجتمع لا يلدغ من الجحر مرتين، لأن المكونات التي دفعت لحدوث ما حدث من الإثيوبيين قابلة أن تحدث مجددا من غيرهم من الجنسيات التي تتواجد لها في المملكة جالية كبيرة، على الرغم من أني مقتنع 001% أن ما حدث من تلك العمالة المخالفة لم يكن ـ كما يدعي سفيرهم ـ ردة فعل لتعرض نسائهم وأطفالهم للهجوم والسرقة من قبل بعض السعوديين، بل هو في نظري كان طريقة همجية لاختصار الطريق والتكاليف من أجل أن يرحلوا، بل يطردوا من البلاد دون أن يتحملوا أي أعباء مالية، ولا مانع من الاستفادة من غنائم المعركة المنفوحية.

ولكن لنسلط الضوء على بعض الأسباب المسكوت عنها حتى الآن، والتي قد تكون أساسا للخلايا السرطانية الأولى التي ولدت في جسدنا والتي ما بدأنا في علاجها إلا مع الحملة التصحيحية الخاصة بمخالفي أنظمة الإقامة.

لا بد أن نعترف بأن السعودي ذاته هو من يقف منذ البداية خلف إدخال تلك العمالة للبلاد، إما بـ"فيز" نظامية في بادئ الأمر ثم إهمالها وتحويلها إلى مخالفة، أو عبر تسهيل عمليات التهريب عبر الحدود والتواطؤ مع بعض الأجانب، كما أن المستفيد الأول من وجود حالة العامل المخالف كمصدر ممتاز للعمالة الرخيصة هو الشركات الكبيرة صاحبة المشاريع المليارية، والتي تحتاج لأيد عاملة رخيصة وقريبة لإنجاز أعمالها.

لا بد أن نعترف بأن من يتستر على المخالفين بتسهيل حصولهم على سكن أو العمل في محلات مقابل إتاوة التستر، هو السعودي ذاته، والذي يستفيد من تواجد هؤلاء بالقدر الذي يستفيد منه الأجنبي المخالف.

السعودي ذاته كما كشفت لنا الأيام ليس ملاكا، بل هناك لا أخلاقيون يستفيدون من هذه العمالة في تشغيلهم أو الاستفادة من خدماتهم في مجالات بيع الممنوعات والمخدرات وكل أنواع الجرائم الأخلاقية، فمكاسب العالم السفلي مغرية، والمصلحة بين الجانبين مشتركة لمن فقد دينه وأخلاقه.

بعض الجهات المختصة كذلك تتحمل جزءا من المسؤولية في ما وصل إليه الحال، فتجاهل المشكلة لعقود وكأنها ليست موجودة أنتج لنا هذه الأزمة الأمنية والاجتماعية، وتساهل بعض الجهات في تطبيق القوانين بشكل واضح وعملي جعل الأجنبي يعتقد بأن السعودية لم ولن تكون جادة في أمر ترحيلهم.

فهل نستفيد مما جرى ونحاسب أنفسنا دون مكابرة لنتجنب تكرار التجاوز الإثيوبي؟!